(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧)
____________________________________
إن هى المخففة من إن واللام فارقة بينهما وبين النافية وضمير الشأن محذوف ومرادهم بذلك دفع ما يرد* عليهم من أن نزوله عليهما لا ينافى عموم أحكامه فلم لم تعملوا بأحكامه العامة أى وإنه كنا (عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) لا ندرى ما فى كتابهم إذ لم يكن على لغتنا حتى نتلقى منه تلك الأحكام العامة ونحافظ عليها وإن لم يكن منزلا علينا وبهذا تبين أن معذرتهم هذه مع أنهم غير مأمورين بما فى الكتابين لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتناولة لكافة الأمم كما أن قطع تلك المعذرة بإنزال القرآن لاشتماله أيضا عليها لا على سائر الشرائع والأحكام فقط (أَوْ تَقُولُوا) عطف على (تَقُولُوا) وقرىء كلاهما بالياء على الالتفات* من خطاب فاتبعوه واتقوا (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ) كما أنزل عليهم (لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) إلى الحق الذى هو المقصد الأقصى أو إلى ما فى تضاعيفه من جلائل الأحكام والشرائع ودقائقها لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ولذلك تلقفنا من فنون العلم كالقصص والأخبار والخطب والأشعار ونحو ذلك طرفا* صالحا ونحن أميون وقوله تعالى (فَقَدْ جاءَكُمْ) متعلق بمحذوف ينبىء عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أى لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم الخ وإما شرط له أى إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم من كونكم* أهدى من الطائفتين على تقدير نزول الكتاب عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم (بَيِّنَةٌ) وأى بينة* أى حجة واضحة لا يكتنه كنهها وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكُمْ) متعلق ب (جاءَكُمْ) أو بمحذوف هو صفة لبينة أى بينة كائنة منه تعالى وأيا ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافى كما أن فى تنوينها التفخيمى دلالة على فضلها الذاتى وفى التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم مزيد تأكيد لإيجاب الاتباع* (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) عطف على (بَيِّنَةٌ) وتنوينهما أيضا تفخيمى عبر عن القرآن بالبينة إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته ثم بالهدى والرحمة تنبيها على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم* بل هو عين الهداية والرحمة (فَمَنْ أَظْلَمُ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجىء القرآن المشتمل على* الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه أى وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم (مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) وضع الموصول موضع ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصا على اتصافهم بما فى حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم وإسقاطا لهم عن رتبة الخطاب وعبر عما جاءهم بآيات الله تهويلا للأمر وتنبيها على أن تكذيب أى آية كانت من آيات الله تعالى كاف فى الأظلمية فما ظنك بتكذيب القرآن المنطوى على الكل والمعنى إنكار أن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك أو مساويا له وإن لم يكن سبك التركيب متعرضا لإنكار المساواة ونفيها فإذا قيل من أكرم من فلان أولا أفضل منه فالمراد به حتما بحكم العرف الفاشى* والاستعمال المطرد أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وقد مر مرارا (وَصَدَفَ عَنْها)