(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨)
____________________________________
أى صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ) الناس (عَنْ آياتِنا) * وعيد لهم ببيان جزاء إضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالهم أيضا ووضع الموصول موضع المضمر لتحقيق مناط الجزاء (سُوءَ الْعَذابِ) أى العذاب السيىء الشديد النكاية (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) أى بسبب* ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد والاستمرار وهذا تصريح بما أشعر به إجراء الحكم على الموصول من علية ما فى حيز الصلة له (هَلْ يَنْظُرُونَ) استئناف مسوق لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى وأنهم لا يرعوون عن التمادى فى المكابرة واقتراح ما ينافى الحكمة التشريعية من الآيات الملجئة وأن الإيمان عند إتيانها مما لا فائدة له أصلا مبالغة فى التبليغ والإنذار وإزاحة العلل والأعذار أى ما ينتظرون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) حسبما اقترحوا بقولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) وبقولهم (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) وبقولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ونحو ذلك أو إلا أن تأتيهم ملائكة العذاب أو يأتى أمر ربك بالعذاب والانتظار محمول على التمثيل كما سيجىء وقرىء يأتيهم بالياء لأن تأنيث الملائكة غير حقيقى (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) أى غير ما ذكر كما اقترحوا بقولهم* أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ونحو ذلك من عظائم الآيات التى علقوا بها إيمانهم والتعبير عنها بالبعض للتهويل والتفخيم كما أن إضافة الآيات فى الموضعين إلى اسم الرب المنبىء عن المالكية الكلية لذلك وإضافته إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم للتشريف وقيل المراد بالملائكة ملائكة الموت وبإتيانه سبحانه وتعالى إتيان كل آياته بمعنى آيات القيامة والهلاك الكلى بقرينة ما بعده من إتيان بعض آياته تعالى على أن المراد به أشراط الساعة التى هى الدخان ودابة الأرض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليهالسلام ونار تخرج من عدن كما نطق به الحديث الشريف المشهور وحيث لم يكن إتيان هذه الأمور مما ينتظرونه كإتيان ما اقترحوه من الآيات فإن تعليق إيمانهم بإتيانها انتظار منهم له ظاهرا حمل الانتظار على التمثيل المبنى على تشبيه حالهم فى الإصرار على الكفر والتمادى فى العناد إلى أن تأتيهم تلك الأمور الهائلة التى لا بد لهم من الإيمان عند مشاهدتها البتة بحال المنتظرين لها وأنت خبير بأن النظم الكريم بسباقه المنبىء عن تماديهم فى تكذيب آيات الله تعالى وعدم الاعتداد بها وسياقه الناطق بعدم نفع الإيمان عند إتيان ما ينتظرونه يستدعى أن يحمل ذلك على أمور هائلة مخصوصة بهم إما بأن تكون عبارة عما اقترحوه أو عن عقوبات مترتبة على جناياتهم كإتيان ملائكة العذاب وإتيان أمره تعالى بالعذاب وهو الأنسب لما سيأتى من قوله تعالى (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) وأما حمله على ما ذكر من إتيان ملائكة الموت وإتيان كل آيات القيامة وظهور أشراط الساعة مع شمول إتيانها