(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) (٩٧)
____________________________________
أهلها (بِالْبَأْساءِ) بالبؤس والفقر (وَالضَّرَّاءِ) بالضر والمرض لكن لا على معنى أن ابتداء الإرسال مقارن* للأخذ المذكور بل على أنه مستتبع له غير منفك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه حسبما فعلت الأمم المذكورة (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) كى يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر* والعزة عن أكتافهم كقوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (ثُمَّ بَدَّلْنا) عطف على (أَخَذْنا) داخل فى حكمه (مَكانَ السَّيِّئَةِ) التى أصابتهم للغاية المذكورة (الْحَسَنَةَ) أى أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة كقوله تعالى (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ (حَتَّى عَفَوْا) أى كثروا عددا وعددا من عفا النبات إذا كثر وتكاثف وأبطرتهم النعمة (قالُوا) غير* واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء من الله سبحانه (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) كما مسنا* ذلك وما هو إلا من عادة الدهر يعاقب فى الناس بين الضراء والسراء من غير أن يكون هناك داعية تؤدى إليهما أو تبعة تترتب عليهما ولعل تأخير السراء للإشعار بأنها تعقب الضراء فلا ضير فيها (فَأَخَذْناهُمْ) * إثر ذلك (بَغْتَةً) فجأة أشد الأخذ وأفظعه (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بذلك ولا يخطرون ببالهم شيئا من المكاره* كقوله تعالى (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) الآية وليس المراد بالأخذ بغتة إهلاكهم طرفة عين كإهلاك عاد وقوم لوط بل ما يعمه وما يمضى بين الأخذ وإتمام الإهلاك أيام كدأب ثمود (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) أى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى فى قرى وقيل هى مكة وما حولها من القرى وقيل جنس القرى المنتظمة لما ذكر ههنا انتظاء أوليا (آمَنُوا) بما أوحى إلى أنبيائهم معتبرين بما جرى عليهم من الابتلاء* بالضراء والسراء (وَاتَّقَوْا) أى الكفر والمعاصى أو اتقوا ما أنذروا به على ألسنة الأنبياء ولم يصروا على* ما فعلوا من القبائح ولم يحملوا ابتلاء الله تعالى على عادات الدهر وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وحدوا الله واتقوا الشرك (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم* من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التى بعضها من السماء وبعضها من الأرض وقيل المراد المطر والنبات وقرىء لفتحنا بالتشديد للتكثير (وَلكِنْ كَذَّبُوا) أى ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا* وقد اكتفى بذكر الأول لاستلزامه للثانى (فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من أنواع الكفر والمعاصى* التى من جملتها قولهم قد مس آباءنا الخ وهذا الأخذ عبارة عما فى قوله تعالى (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) لا عن الجدب والقحط كما قيل فإنهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السيئة (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) أى أهل القرى المذكورة