(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) (١٠١)
____________________________________
(تِلْكَ الْقُرى) جملة مستأنفة جارية مجرى الفذلكة لما قبلها من القصص منبئة عن غاية غواية الأمم المذكورة وتماديهم فيها بعد ما أنتهم الرسل بالمعجزات الباهرة وتلك إشارة إلى قرى الأمم المهلكة على أن اللام للعهد وهو مبتدأ وقوله تعالى (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) خبره وصيغة المضارع للإيذان بعدم انقضاء القصة بعد ومن* للتبعيض أى بعض أخبارها التى فيها عظة وتذكير وقيل تلك مبتدأ وللقرى خبره وما بعده حال أو خبر بعد خبر عند من يجوز كون الخبر الثانى جملة كما فى قوله تعالى (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) وتصدير الكلام بذكر القرى وإضافة الأنباء إليها مع أن المقصوص أنباء أهلها والمقصود بيان أحوالهم حسبما يعرب عنه قوله تعالى (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) لما أن حكاية هلاكهم بالمرة على وجه الاستئصال بحيث يشمل* أماكنهم أيضا بالخسف بها والرجفة وبقائها خاوية معطلة أهول وأفظع والباء فى قوله تعالى (بِالْبَيِّناتِ) متعلقة إما بالفعل المذكور على أنها للتعدية وإما بمحذوف وقع حالا من فاعله أى ملتبسين بالبينات لكن لا بأن يأتى كل رسول ببينة واحدة بل ببينات كثيرة خاصة به معينة له حسب اقتضاء الحكمة فإن مراعاة انقسام الآحاد إلى الآحاد إنما هى فيما بين الرسل وضمير الأمم والجملة مستأنفة مبينة لكمال عتوهم وعنادهم أى وبالله لقد جاء كل أمة من تلك الأمم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة الدلالة على صحة رسالته الموجبة للإيمان حتما وقوله تعالى (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) بيان* لاستمرار عدم إيمانهم فى الزمان الماضى لا لعدم استمرار إيمانهم وترتيب حالتهم هذه على مجىء الرسل بالبينات بالفاء لما أن الاستمرار على فعل من الأفعال بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه فى الحقيقة لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث نحو وعظته فلم ينزجر ودعوته فلم يجب واللام لتأكيد النفى أى فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوام فى وقت من الأوقات أن يؤمنوا بكل كان ذلك ممتنعا منهم إلى أن لقوا ما لقوا لغاية عنوهم وشدة شكيمتهم فى الكفر والطغيان ثم إن كان المحكى عنهم آخر حال كل قوم منهم فالمراد بعدم إيمانهم المذكور ههنا إصرارهم على ذلك بعد اللتيا والتى وبما أشير إليه بقوله تعالى (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) تكذيبهم من لدن مجىء الرسل إلى وقت الإصرار والعناد* وإنما لم يجعل ذلك مقصودا بالذات كالأول بل جعل صلة للموصول إيذانا بأنه بين بنفسه وإنما المحتاج إلى البيان عدم إيمانهم بعد تواتر البينات الظاهرة وتظاهر المعجزات الباهرة التى كانت تضطرهم إلى القبول لو كانوا من أصحاب العقول والموصول الذى تعلق به الإيمان والتكذيب سلبا وإيجابا عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول أصولها وفروعها وإن كان المحكى جميع أحوال كل قوم منهم فالمراد بما ذكر أولا كفرهم المستمر من حين مجىء الرسل الخ وبما أشير إليه آخرا تكذيبهم قبل مجيئهم فلا بد من جعل الموصول المذكور عبارة عن أصول الشرائع التى أجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم إليها آثر ذى أثير لاستحالة تبدلها وتغيرها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجىء رسلهم