يدّخرها كنزا بل وضعها في موضع الجريان يستفيد به لنفسه ألوفا وألوفا ، ويفيد غيره ببيع أو شراء أو عمل وغير ذلك ، لم يتوجّه إليه نهي دينيّ ، لأنه حيث نصبها على أعين الناس وأجراها في مجرى النماء الصالح النافع لم يخفها ولم يمنعها من أن تصرف في سبيل الله ، فهو وإن لم ينفقها في سبيل الله ، إلا أنه بحيث لو أراد وليّ أمر المسلمين لأمره بالإنفاق في ما يرى لزوم الإنفاق فيه ، فليس هو إذا لم ينفق وهو بمرأى ومسمع من وليّ الأمر بخائن ظلوم ..»
ثم يتابع قوله : «فالآية ناظرة إلى الكنز الذي يصاحبه الامتناع عن الإنفاق في الحقوق الماليّة الواجبة ، لا بمعنى الزكاة الواجبة فقط ، بل بمعنى يعمّها وغيرها من كل ما يقوم عليه ضرورة المجتمع الديني من الجهاد وحفظ النفوس من الهلكة ونحو ذلك» (١).
ونلاحظ على ذلك ، أن هذا الرأي ينطلق من الاستغراق في كلمة «الكنز» على أساس ما تتضمنه من معنى لغوي ، بما توحيه الكلمة من معنى ، لتتحرك في أجواء الامتناع عن بذلها في سبيل الله. ولكننا نستوحي منها التحدّث عن ظاهرة عامة منحرفة تتمثّل في أولئك الذين يعيشون الحياة للمال ويعتبرون جمعه قيمة حياتيّة ، بعيدا عن أيّ هدف كبير يتعلق بحياة الناس ، الأمر الذي يدفعهم إلى أن يحصلوا عليه بالحق ، أو بالباطل ، كهؤلاء الأحبار والرهبان ، ويستغرقوا فيه ، كما لو كان هو الهدف للحياة ، فيؤدي ذلك إلى أن يمنعوه عن المجالات العامة التي أراد الله للمال أن ينفق فيها ، ممّا أمر الناس أن ينفقوه في سبيله ، وهذا هو الجوّ الذي أراد الصحابيّ الجليل أبو ذر الغفاري أن يحرّكه في حياة المجتمع آنذاك ، لأن طريقة الحكم في توزيع الأموال كانت منطلقة من الأثرة التي تدفع الحاكم إلى أن يتصرف بالمال على هواه ، أو يخصّ به ذوي
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٩ ، ص : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.