وقفة التحدي المضادّ الذي يصرخ بهم (انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) واخرجوا إلى الجهاد لتقاتلوا أعداء الله من أجل الحصول على رضاه في تحقيق إرادته في الحياة (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) فجذبتكم إليها كما لو كانت هناك أثقال شديدة تشدّكم إلى الأسفل ، من الإخلاد إلى الأرض والاستكانة إليها ، والاستسلام لقضاياها المادية ، وقيمتها الحيوانيّة ، والتطلع إلى شهواتها كغاية تتطلع إليها الحياة ، بعيدا عن كل عوامل السموّ والانفتاح التي تجعل الإنسان يحلّق في السماء حيث النور والخير والإيمان ، كآفاق للحياة والحركة والانطلاق ، في ما يوحيه ذلك من التمرّد على كلّ هذه الأثقال المادية التي تثقل قلبه وروحه وضميره ، وفي ما يثيره في نفسه من معان روحيّة تمدّه بالإشراق والحب والإيمان. (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) واستسلمتم لها في عملية استبدال واقتناع بنتائجها ، كما لو كانت كل شيء في حركة الحياة (مِنَ الْآخِرَةِ) أي بدلا عن الآخرة.
* * *
ميزان الدنيا في الآخرة
ولكن ما هي النتائج الحقيقية الحاسمة ، وما هو حجم هذا البدل في مقياس الأهداف؟ (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) أي إذا نسب إلى نعيم الآخرة (إِلَّا قَلِيلٌ) فإن متاع الدنيا زائل ، أما نعيم الآخرة فباق ما بقيت السماوات والأرض ، فلا مجال للموازنة بينهما ، لأن الميزان سيختلّ لمصلحة الآخرة ضد مصلحة الدنيا. وهكذا يريد القرآن للإنسان ـ من خلال هذه الآية ـ أن يفكر بالمسألة بعيدا عن الضغوط الخارجية في النتائج السلبيّة لتفضيل الدنيا على الآخرة في مواجهة النتائج الإيجابية على مستوى الربح الحقيقي في تفضيل الآخرة على الدنيا. ثم يثير المسألة من ناحية الوعيد ، ليفكر في النتائج