بطريقة أخرى ، وهي فرض ضريبة تابعة في تقدير كميتها ونوعيتها لتقدير وليّ الأمر الذي يدرس المسألة من موقع مصلحة الإسلام العليا ، ودراسته للواقع الذي يعيشه هؤلاء من ناحية واقعهم المالي ونحوه. وليس لهذه الضريبة التي تسمّى بالجزية ، أيّ مدلول تعسفيّ في ما يتعلق بإنسانية هؤلاء ، بل هي على العكس من ذلك ، ذات مدلول واقعىّ يتحرك من موقع النظرة إلى الأعباء التي يتحملها الحكم الإسلامي ، في ما يحمله من مسئولية حماية هؤلاء ورعايتهم وتوفير الضمانات الحقيقة لوجودهم ، مع عدم تحميلهم أيّة مسئولية في الدخول في الحروب التي يخوضها المسلمون ضد الآخرين ممن يدينون بدينهم ، أو ممن يختلفون عنهم في ذلك ، وعدم مطالبتهم بالضرائب الأخرى المفروضة على المسلمين. ولوليّ الأمر أن يعفو عنها في بعض الظروف ، وله أن يخفف منها في بعض آخر ، مما يعطي المسألة مرونة تشريعية تفسح المجال لكثير من التوسعة والتغيير.
ولسنا هنا من أجل الدخول في عملية توفيقيّة تبريريّة أو دفاعيّة في الرد على الذين أثاروا النكير على الإسلام في تشريعه الجزية على أهل الكتاب ، سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم ، في ما أرادوا به تشوية صور التشريع الإسلامي للحياة ، بل نحن ـ هنا ـ لاستلهام الواقعية التشريعيّة التي تواجه المسألة من قاعدتها الحقيقيّة ، وهي قاعدة التعامل مع الأشياء والأشخاص من خلال دراسة الواقع الذي يريده الإسلام لنفسه ولاستمراره في ما يريده من سلطة الحكم والتشريع والحياة ، بالإضافة إلى دراسة حقوق الآخرين بالطريقة التي تتناسب مع أهداف الإسلام الحياتية.
وقد نستطيع التأكيد على الوجه الإيجابي المشرق للتشريع الإسلامي في هذا المجال ، حيث راعى في الإنسان غير المسلم مشاعره الدينيّة ، إذ قد يضطر لمحاربة شخص أو جماعة من أهل دينه في ما لو فرض عليه القتال