عليه القتال مع المسلمين في معاركهم الموجّهة إلى أمثال هؤلاء ، كما جعل لهم الحريّة في ممارسة كل شعائرهم التي يألفونها ويقدّسونها مما لا يتنافى مع النظام العام ، وهو ما قد لا نجده في أيّ نظام آخر غير الإسلام.
* * *
القرآن يصف أهل الكتاب بعدم الإيمان
وهنا يبرز سؤال : كيف يصف القرآن أهل الكتاب بهذه الأوصاف التي لا تتناسب مع طبيعة الانتماء الذي يفترضه ما يتضمنه الكتاب من الإيمان بالله وشرائعه ودينه وباليوم الآخر ، وذلك في قوله تعالى في هذه الآية : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، واختلف هنا حول المراد بالرسول في قوله (ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) فهل المراد به رسلهم الخاصون كعيسى (ع) بالنسبة للنصارى ، وموسى (ع) بالنسبة لليهود .. إلخ ، أم المراد به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، باعتباره أخر الأنبياء ذهب بعض المفسرين أن المقصود به النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنه ـ في ما يبدو ـ لا ينسجم مع جوّ الآية التي تريد التأكيد على عدم التزامهم بالكتاب في ما يشرّعه كتدليل على عدم جدّيتهم في الانتماء مع المحافظة على صفتهم تلك في طبيعة الموقف (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) الذي أنزله الله على رسله في إسلام الفكر والقلب والحياة لله ، مما يجعل الإنسان في حركة دائمة في خطّ الرسالات الواحد ، مهما اختلفت تفاصيلها من خلال اختلاف الزمن الذي يحتوي هذه الرسالة أو تلك ، (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى والمجوس ، في ما جاءت به بعض الروايات التي تذكر أن لهم كتابا ونبيّا قتلوه (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) من خلال ما يمثله ذلك من الخضوع للسلطة الإسلامية ، في مواجهة حالة التمرد والكبرياء التي كانوا يعيشونها قبل ذلك.