كيف نفسر ذلك؟
ربما يبدو أن الآية تمثّل حالة جزئية من حالات أهل الكتاب ، على أساس أنّ هناك فريقين من أهل الكتاب ، فمنهم المؤمنون الذين يلتزمون بالكتاب بكل فكره وشريعته وأسلوبه ، ومنهم الذين لا يعيشون الكتاب إلا أمانيّ ، ولا يجدون فيه إلّا واجهة للموقع ، بعيدا عن عملية الإيمان الحيّ الذي يتحرك في خط الفكر والروح والعمل ، وقد جاءت هذه الآية ـ على أساس هذا الرأي ـ لتأمر بقتال الفريق الثاني الذي يمثّل الخطر الكبير على الإسلام والمسلمين ، هذا الفريق الذي يتستر بالدين كقناع مزيّف يخفي الحقيقة الواقعية في داخله ، وهي الكفر في العقيدة والعمل. وربما نستوحي ذلك من الآيات المتعدّدة التي تتحدث عن هذين الفريقين من أهل الكتاب ، كما في قوله تعالى : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ١١٠] وقد نستفيد ذلك من ظهور كلمة «من» التي تفيد التبعيض ، لا البيان والتوضيح.
ولكن هناك رأيا آخر يفسر الآية بطريقة أخرى ، فيؤكد على أن هذا الحكم شامل لأهل الكتاب بأجمعهم ، مستدلا بالسيرة التي جرى عليها المسلمون منذ عهد الدعوة الأول ، في مواجهة أهل الكتاب بطلب الجزية منهم ، كشرط لمواطنيتهم واحترام وجودهم في داخل المجتمع الإسلامي ، من دون تفريق بين الفئات التي تؤمن بالكتاب كعقيدة ، وبين الفئات التي تنتمي إليه كقناع وكواجهة ، هذا بالإضافة إلى الروايات التي تدلّ على مثل هذا الشمول.
أما تفسير فقرات الآية ، كجواب على السؤال ، فيرتكز على أنهم «لا يرون ما هو الحق من أمر التوحيد والمعاد وإن أثبتوا أصل القول بالألوهية ، لا لأنّ منهم من ينكر القول بألوهيّة الله سبحانه أو ينكر المعاد ، فإنهم قائلون