يعيش جدّية الإيمان ، بل يمارسه بطريقة شكلية انتهازيّة ، ويوحي لنا ، بأن مظاهر التمرّد على الحقائق وعلى الأنبياء ، تمثل الدليل الواضح على أنهم يفقدون في داخلهم واقعية الإيمان ، لأن الذي يعيش الإيمان حقيقة في الداخل ، لا يهرب من الدعوة إلى التفكير والحوار ، ولا يواجه النبوات والأنبياء بالتمرّد والعدوان ، بل يحاول الوقوف من ذلك موقف الإنسان الذي يريد أن يفحص المسألة من موقع الباحث عن الحقيقة.
إننا نفهم من الآية أنها تريد أن تفرّق بين واقع الممارسة وشكلية الانتماء ، لتبيّن الهوّة العميقة التي تفصل بينهما ، ولهذا جاء التعبير بقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) للإيحاء بأنهم لم يأخذوه بشكل عمليّ.
هذا من الجانب التفسيري للآية ، أمّا ما نلاحظه من شمول الحكم بأخذ الجزية من الجميع ، فقد يرجع إلى دليل آخر في ما نستفيده من غير الآية. وقد يرجع إلى اعتبار الظاهرة البارزة في مجتمعهم ، كأساس لتغليب الحكم على الجميع ، باعتبار أن التفريق بين فريق وفريق في مجتمع مختلط لا يعتبر أمرا عمليّا. وربما استوحينا الموضوع من دراسة طبيعة هذا الإجراء الذي لا يراد من خلاله السيطرة الذاتية التي تتحرك من موقع العقدة ، بل يراد منه السيطرة من خلال التنظيم ، لأن المجتمع الذي تحكمه عقيدة معينة ، بحيث يكون الحكم فيه ملتزما بخطّ معيّن ، لا بد من أن يملك حكم أفراده الذين يؤمنون بتلك العقيدة ، من خلال التزامهم العقيديّ الذي يحركهم نحو الطاعة والخضوع للنظام ، أمّا الأفراد الذين لا يؤمنون بها ، ولا يجدون أيّة حالة دينيّة أو فكريّة تفرض عليهم الالتزام ، فلا بد من أن يحكمهم من خلال إخضاعهم للسلطة على أساس حالة تعاقديّة لا يكون فيها الحكم مجرد طرف اختياريّ في التعاقد في مواجهة الطرف الآخر ، بل يكون الطرف الأقوى الذي يفرض السلطة على