الطرف الآخر من دون الإساءة إلى حقوقه الطبيعية في الحياة الكريمة الخاضعة للحكم المسؤول.
وبهذا نفهم كيف ينبغي للمسألة التنفيذية والتشريعية في هذا المجال ، أن تكون شاملة لأهل الكتاب بأجمعهم ، ليطبّق عليهم حكم القانون في القضايا المتصلة بالصالح العام ، وليمارسوا حريتهم العبادية والعملية في ما لا يتنافى مع الصالح العام ، مع ملاحظة الاستمرار في الانفتاح على الجانب الفكري للمسألة من خلال الحوار ، فلا يضطهدهم فكريا ليفرض عليهم الانتماء ، بل يعمل دائما على مخاطبة هذا الفكر المتميّز عنه من موقع فكريّ ، وليس هناك إلّا تطبيق القانون من أجل سلامة الجميع ، وبهذا يمكن استفادة بعض موارد الحكم من خلال مدلول الآية ، كما يمكن استفادة البعض الآخر من الأجواء الواقعية المحيطة بهذا المدلول.
وربما كان من الملاحظ أن الجزية لم تذكر في القرآن إلّا في هذه السورة ، وفي هذه الآية تحديدا ، مما قد يوحي بأن القرآن كان يركّز الموضوع من ناحية المبدأ ، من خلال معالجة الحالة القائمة في المجتمع الأوّل للدعوة ، لتكون نقطة الانطلاق للتشريع الذي تتكفله السنّة النبويّة ، في ما يلهم الله به نبيّه من تفاصيل الشريعة ، وهذا باب يمكن لنا أن نفتحه في دراستنا القرآنية ، لنقف ـ من خلاله ـ حيث يقف النص القرآني في مدلوله ، فلا نحمّله أكثر مما يتحمّل ، اعتمادا على أن التشريع يتّسع لأكثر ممّا يتسع له النص ، مما يؤدّي إلى التأويل ، أو توسيع المعنى بعيدا عن ظاهر اللفظ ، بل نترك الأمر في تكامل التشريع إلى السنّة التي جاءت لتعطينا توضيح ما أجمله القرآن ، وتوسيع ما شرّعه من حيث المبدأ. إنها ملاحظة للتفكير وللمناقشة في ما نرجو أن نصل به إلى النتائج الصحيحة في الفهم القرآني الصحيح ؛ والله العالم.
* * *