الذين يكنزون الذهب والفضة
(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ). وهذا نموذج آخر من نماذج الانحراف الذي يلتقي بالفريق الأول ، وقد يتمثل في غيره ، وهو نموذج هؤلاء الذين يعيشون الحياة من أجل الحصول على المال بأيّة وسيلة ومن أيّ مكان ، لأن هدفهم هو ادّخار المال واكتنازه وزيادته ، لا لهدف كبير يتصل بخدمة الحياة في قضاياها الحيويّة أو بخدمة الإنسان في مشاكله المتنوعة ، بل كل ما هناك هو إرضاء عقدة الطمع والكبرياء في ذواتهم وشهوة التملّك في نفوسهم ، فهم يجمعون ويجمعون ثم يدّخرون ويكنزون الذهب والفضة من طريق مشروع أو غير مشروع (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) في ما يمثله «سبيل الله» من أفق واسع لكل المعاني الروحيّة والاقتصادية والتربوية ونحو ذلك مما يعتبر خدمة لله بخدمة عباده ، وجهادا في سبيله ، من خلال تأكيد القواعد التي أراد للحياة أن تقوم عليها.
* * *
الوجهة التشريعية لتحريم اكتناز الذهب والفضة
والسؤال الآن : ما هو مصداق هذه الآية في الحياة العامة التي نعيشها؟
هل هم الذين يجمعون المال ويخرجون منه حقوق الله ، ثم يدّخرونه من أجل تقوية مركزهم الاقتصادي الذي يعطي القيمة لصاحبه ، بقدر ما يملك من مال في أسواق المال ، أو من أجل تأمين مستقبلهم الذي يتقاعدون فيه عن العمل ليتحوّلوا إلى عنصر استهلاكيّ لا إنتاجي ، فيحتاجون لما يحفظ لهم ماء