انهم ما وجدوا مع غاية تفحّصهم إلّا القدر المسطور ، ثم بعد ذلك يأخذون أقوال المخالف ، حيث يقدرون على التأويل والجواب ، ويتركون الأقوال القوية بالمرّة ولا يشيرون إليها أيضا ولا ينقلون جميع عبارة كتابه في الردّ ليظهر على الناظر حال كلام الجانبين بل يصدر عنهم الخيانة تارة في النقل ، فيحرّفون كلامه وغرضهم الأصلي إيقاع الناظر في مغلطة ، ليظن ، بملاحظة بعض الأقوال التي نقلوها ، ان كلام المخالف كله كما قالوا. وهذه العادة غير مستحسنة ، ومن كان واقفا عليها يجزم انهم ما وجدوا في كتاب المخالف إلّا هذا القدر. وظاهر أنه لا يلزم منه على تقدير صحة النقل أيضا ضعف كتاب المخالف كله ، سيما إذا كان كبيرا ، لأن الكتاب إذا لم يكن إلهاميا يوجد فيه عادة بعض أقوال ضعيفة ، لأن كلام البشر يتعسّر خلوّه عن هذا. كما قيل لكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة ، وأول ناس أول الناس ، والعصمة عن الخطأ والسهو والضعف عندنا خاصة الكلام الإلهامي والكتاب الإلهامي لا غير. ألا يرون أنه لا يوجد محقّق من محقّقيهم من زمان إمام الفرقة جناب لوطر إلى هذا الحين بحيث لا يكون في كلامه خطأ أو ضعف في موضع من المواضع من تصنيفاتهم؟ وإلّا فعليهم البيان وعلينا الجواب. أيجوز في الصورة المذكورة عندهم أن ننقل بعض الأقوال الضعيفة التي صدرت عن إمامهم الممدوح ، أو عن إمامهم الآخر كالون ، أو عن محقّق مشهور من محقّقيهم؟ ونقول إن كلامه الباقي كله أيضا باطل وهذيان من هذا القبيل ، وما كان له دقّة النظر. حاشا لا نقول ذلك ، بل هو خلاف الإنصاف. ولو كان هذا القدر يكفي عندهم لحصل لنا الراحة العظيمة فننقل الأقوال من أقوال أئمتهم ومحقّقيهم في المواضع التي اعترف متّبعوهم وجهل ملّتهم أيضا بأنّها ضعيفة أو غلط ، ثم نقول بعد ذلك إن كلامهم الباقي كله من هذا القبيل ، وإنهم كانوا كذا. فالمرجو منهم أنهم إن كتبوا جواب كتابي هذا فلا بدّ أن ينقلوا عبارتي كلها في الردّ ويراعوا الأمور التي هي مذكورة في المقدمة ، ولو اعتذر وأعدم الفرصة ، فهذا العذر غير مقبول ، لأنه قد صرّح صاحب مرشد الطالبين في الصفحة ٣١٠ من كتابه المطبوع سنة ١٨٤٨ في الفصل الثاني عشر من الجزء الثاني : «إن نحو ألف سوّاح من البروتستنت يواظبون على بثّ الإنجيل ، ولهم قدر مائة معاون على ذلك من الواعظين والمعلّمين وغيرهم ممّن تنصّروا». انتهى ملخصا. فهؤلاء كلهم خرجوا من بلادهم وليس لهم أمر مهم غير الوعظ والدعوة إلى ملّتهم ، فكيف يقبل عذر عدم الفرصة من هذا الجمّ الغفير؟
وأذكر شيئا لتوضيح ما قلت من حال ترجمة إمام الفرق جناب لوطر ، وحال كتاب ميزان الحق للقسّيس النبيل فندر ، وكتاب حلّ الإشكال ومفتاح الأسرار للقسّيس الممدوح أيضا. قال وارد كاتلك في كتابه المطبوع سنة ١٨٤١ في حال الترجمة المذكورة التي كانت في لسان دچهه : «قال زونكليس الذي هو أعظم علماء بروتستنت مخاطبا للوطر : يا لوطر أنت تخرّب