إن كان بمقتضاها بقاء أحكام العهدين يلزم أن يكون جميع القسّيسين واجبي القتل ، لأنهم لا يعظّمون السبت ، وناقض تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل. على أنه أقرّ في هذا الفصل في الصفحة ١٩ : «إن الأحكام الظاهرية» من التوراة «كملت بظهور المسيح ونسخت بمعنى أنها ما بقيت محافظتها لازمة». فهذه الأحكام الظاهرية على اعترافه ما بقيت جارية ما دامت السموات والأرض. وتكميلها ونسخها بالمعنى المذكور عندهم هو نسخ الأحكام المصطلح عندنا. وقال عيسى عليهالسلام للحواريين حين أرسلهم : «إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا». وقال : «لم أرسل إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة». فنهى عن دعوة أمم والسامريين وخصّص رسالته ببني إسرائيل. ثم قال وقت العروج إلى السماء : «اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها» ، فأمر بدعوة جميع العالم وعمّم رسالته فنسخ حكمه الأول ، ونسخ الحواريون ، بعد المشاورة ، جميع الأحكام العملية المندرجة في التوراة إلّا أربعة أحكام. حرمة ذبيحة الصنم ، وحرمة الدم ، وحرمة المخنوق ، وحرمة الزنا. وكتبوا في هذا الباب كتابا إلى الكنائس ، كما هو مصرّح في الباب الخامس عشر من كتاب الأعمال ، ثم نسخ مقدّسهم بولس من هذه الأربعة أيضا الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامّة المندرجة في الآية الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من رسالته إلى أهل رومية ، وفي الآية الخامسة عشر من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس. فنسخ الحواريون أحكام التوراة ونسخ مقدّسهم أحكام الحواريين ، فظهر مما ذكرت أن النسخ ، كما وقع في أحكام التوراة ، كذلك وقع في أحكام الإنجيل. فهذه الأحكام المنسوخة من كليهما ما بقيت جارية ما دامت السموات والأرض. وستعرف هذه الأمور مفصّلة في الباب الثالث إن شاء الله تعالى.
والآيات التي تمسّك بها هذا القسّيس النبيل أربع على ما نقلها في الصفحة ٢٦ و ٢٧ في الفصل المذكور : الأولى : الآية الثالثة والثلاثون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا هكذا : «السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول». والثانية : الآية الثامنة عشرة من الباب الخامس من إنجيل متّى هكذا : «فإنّي الحقّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل». والثالثة : الآية الثالثة والعشرون من الباب الأول من الرسالة الأولى لبطرس هكذا : «أنتم مولودون ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد». الرابعة : الآية الثامنة من الباب الأربعين من أشعيا هكذا : «يبس الحشيش وسقط الزهر وكلمة ربّنا تدون إلى الأبد». ولا يصحّ للمسيحيين التمسّك بالآية الثانية والرابعة على أن حكما من أحكام التوراة لا ينسخ لأن أحكامه العملية كلها صارت منسوخة في الشريعة العيسوية ، ولا بالأولى والثالثة على أن