القصدي صدر عن الذين كانوا من أهل الديانة وعن المسيحيين الصادقين في زعمهم لأجل مخالفة المسيحيين الآخرين. لم يكونوا كذلك في زعمهم ، ولا عجب ، لأن مثل هذا كان عندهم بمنزلة المستحبّات الدينية وعين مقتضى الديانة ، على ما حكمت به المقولة المشهورة المسلّمة فيما بين القدماء التي مرّ ذكرها في القول السادس ، وإما لوجوه أخر كانت مقتضية للتحريف في زمانها. أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايزيدخان فسمّي بعبد السلام وهو ألّف رسالة صغيرة في الردّ على اليهود سمّاها بالرسالة الهادية. وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام. فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا : «اعلم انّا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمّى عندهم بالتلمود ، أن في زمان تلماي الملك ، وهو بعد بخت نصّر ، أن تلماي الملك قد طلب من أحبار اليهود التوراة. فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكرا لبعض أوامره. فاجتمع سبعون رجلا من أحبار اليهود فغيّروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفا منه. فإذا أقرّوا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟». انتهى كلامه بلفظه. وأقول على قول علماء كاتلك إن ملحدي المشرق إذا حرّفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقا وغربا ، سيما في كنيستكم أيضا ألف وخمسمائة سنة على ما حقّق هورن ، وأثر تحريفهم في نسخها ، فكيف يرد قول علماء بروتستنت في تحريفكم الترجمة اللّاطينية التي كانت مستعملة في كنيستكم؟ لا والله هم الصادقون في هذا الباب.
القول العشرون : في المجلد الرابع من إنسائي كلوبيدياريس في بيان بيل : «قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة ، كتب ما بين ألف وألف وأربعمائة. واستدلّ من هذا وقال : إن جميع النّسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود ، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنّسخ التي كانت معتمدة عندهم. ونظرا إلى هذا قال والتن أيضا : إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلّما توجد ، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية النّدرة». انتهى. فأقرّ داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة بروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق ، أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه ، بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف أربعمائة. وبيّن وجهه أن اليهود ضيّعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة. وهكذا قال والتن : أقول : إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم بأزيد من مائتين. فلما انمحت جميع النّسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم ، وأثر تحريفهم أثرا بلغ إلى هذه الرتبة ، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها ، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد صلىاللهعليهوسلم أيضا. فلا