هذا التحريف أشدّ اهتماما عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضا أشدّ من ترجيح ذاك.
المغالطة الثانية : إن المسيح عليهالسلام شهد بحقّيّة كتب العهد العتيق. ولو كانت محرّفة لما شهد بها ، بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف. فأقول في الجواب : أولا : إنه لمّا لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد ولم يوجد سند متّصل لها إلى مصنّفيها ، كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول ـ وقد عرفت نبذا منها في حق كتاب أستير في الشاهد الأول من المقصد الثاني ، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث ، وستعرف في حق كتاب أيوب وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ـ ثبت جميع أنواع التحريف فيها ، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضا لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض ، كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين. فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا. فلا يتمّ الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب ، لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث من مقابلة الفرقة الأبيونية والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز ، ورجّحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيّدة لمسألتهم المقبولة ، كما فعلوا في مقابلة فرقة إيرين ويوتي كنيس. وكانت هذه التحريفات ترجّح بعدهم لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق ، أما كلها أو أكثرها. وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى. وقال بل في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية : «كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان ، أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر. وتقول إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني. وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد». انتهى كلامه. وقال لاردنر في الصفحة ٤٨٦ من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة : «كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى ، وجاء عيسى ، وجاء عيسى لمحو شريعة موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل». انتهى. وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز : «اتفق المؤرّخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلّم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا : خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلّم موسى وأنبياء اليهود. وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنّا بأن المسيح قال لهم إنهم سرّاق ولصوص». انتهى.
وأقول ثانيا (١) : «لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقيّة أو غير إلحاقيّة ، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها ، لأنها ما بيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماءها. فكيف يعلم أن
__________________
(١) يتابع الجواب على المغالطة الثانية.