كان لهم ملجأ ومفر من أيدي الذين يسمّونهم ملحدين وامتلأت ديار أوروبا من وجودهم. قال محقّق فرقة بروتستنت پيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة ١٨٥٠ في بلدة لندن : «لا ريب أن شفيعنا قال : إن التوراة من جانب الله ، وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير الله ، سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالا ، وفي الأشياء الأخر مثل فنّ الحرب والصّلح أطفالا ، كانوا لاصقين بالتوحيد ، وكانت مسائلهم في ذات الله وصفاته جيدة ، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة. ولا ريب أن شفيعنا سلّم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق ، ويجب علينا معشر المسيحيين أن نذهب إلى هذا الحدّ. وأما أن العهد العتيق كله أو كل فقرة فقرة منه حقّة ، أو أن كل كتاب منه أصل ، أو أن تحقيق مؤلّفيه واجب ، ففي هذه الأمور ، لو جعل الدين المسيحي مدّعى عليه فلا أقول زائدا على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة في هذه الصورة. هذه الكتب كانت تقرأ عموما ، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلّمونها ، والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها ، لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة : ان المسيح عليهالسلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب الله فهي إلهاميّة ، وإلّا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلّمة في ذلك الوقت. ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود ، لكن لا بدّ أن تفهم خاصيّة هذه الشهادة. وهذه الخاصيّة مباينة البتّة للتي بيّنت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي ، بل لعلّة كل أمر مع قياس تلك العلّة. قال يعقوب في رسالته : قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الربّ مع أن بين العلماء المسيحية نزاعا ومباحة في حقّيّة أيوب بل في وجوده قديما. وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته ، وكان اليهود يسلّمونه. وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس. كما أن ياناس ويمبراس خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق. وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية ، لكن أحدا ما تخيّل هاهنا أن بولس نقل عن الكتاب ان كان هذا الحال مكتوبا ولا جعل هو نفسه مدّعى عليها لإثبات صدق الرواية ، فضلا عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا. فلأي أمر تحقّق الحالات الأخر؟ وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس ، بل اني أتخيل على وجه آخر ، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة ، بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ، ولا جائز أن تقرر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلّا تكن جميع