وقد عرفت في المثال الثامن عشر. والسادس : ان مقدّسهم ومفسّريهم استعملوا ألفاظا غير ملائمة بالنسبة إلى التوراة وأحكامها ، مع أنهم معترفون أنها كلام الله. السابع : انه لا إشكال في نسخ أحكام التوراة بالمعنى المصطلح عندنا إلّا في الأحكام التي صرّح فيها أنها أبديّة أو يجب رعايتها دائما طبقة بعد طبقة. لكن هذا الإشكال لا يرد عليها ، لأنّا نسلّم أولا أن هذه التوراة هي التوراة المنزلة أو تصنيف موسى ، كما علم في الباب الثاني. ونقول ثالثا إلزاما بأن الله قد يظهر له بدءا وندامة عمّا أمر أو فعل فيرجع عنه ، وكذلك يعد وعدا دائميا ثم يخلف وعده. وهذا الأمر الثالث أقوله إلزاما فقط ، لأنه يفهم من كتب العهد العتيق هكذا في مواضع ، كما ستعرف عن قريب. وإني وجميع علماء أهل السّنّة بريئون ومتبرّءون عن هذه العقيدة الفاسدة. نعم يرد هذا الإشكال عن المسيحيين الذين يعترفون بأن هذه التوراة كلام الله ومن تصنيف موسى ولم يحرّف. والندامة والبدء محالان في حق الله. والتأويل الذي يذكرونه في الألفاظ المذكورة بعيد عن الإنصاف وركيك جدا ، لأن المراد بهذه الألفاظ في كل شيء يكون بالمعنى الذي يناسبه. مثلا إذا قيل لشخص معيّن إنه دائما يكون كذا ، فلا يكون المراد بالدوام هاهنا إلّا المدة الممتدّة إلى آخر عمره. لأنّا نعلم بديهة أنه لا يبقى إلى فناء العالم وقيام القيامة. وإذا قيل لقوم عظيمة تبقى إلى فناء العالم ، ولو تبدّلت أشخاصها في كل طبقة بعد طبقة ، أنهم لا بدّ أن يفعلوا كذا دائما طبقة بعد طبقة ، أو إلى الأبد أو إلى آخر الدهر. فيفهم منه الدوام إلى فناء العالم بلا شبهة. وقياس أحدهما على الآخر مستبعد جدا. ولذلك علماء اليهود يستبعدون تأويلهم سلفا وخلفا وينسبون الاعتساف والغواية إليهم.
وأمثلة القسم الثاني (١) هي هذه : الأول : ان الله أمر إبراهيم عليهالسلام بذبح إسحاق عليهالسلام ، ثم نسخ هذا الحكم قبل العمل ، كما هو مصرّح به في الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين. الثاني : انه نقل قول نبيّ من الأنبياء في حق عالي الكاهن في الباب الثاني من سفر صموئيل الأول هكذا : «٣٠ فالله إله إسرائيل يقول إني قلت إن بيتك وبيت أبيك يخدمون بين يدي دائما. لكن يقول الله الآن حاشا لي ، لا يكون الأمر كذلك. بل أكرم من يكرمني ومن يحقرني يصير ذليلا ٣٤ وأنا أقيم لنفسي كاهنا متديّنا إلخ» ... فكان وعد الله أن منصب الكهانة يبقى في بيت عالي الكاهن وبيت أبيه ثم أخلف وعده ونسخه ، وأقام كاهنا آخر. في تفسير دوالي ورجرد مينت قول الفاضل باترك هكذا : «ينسخ الله هاهنا حكما كان وعده وأقرّ به بأن رئيس الكهنة يكون منكم إلى الأبد. أعطى هذا المنصب لعازار الولد الأكبر لهارون ، ثم أعطى تامار الولد الأصغر لهارون ، ثم انتقل الآن بسبب ذنب أولاد عالي الكاهن
__________________
(١) أي : أمثلة عن النسخ الذي يكون في شريعة نبي لحكم آخر من شريعة هذا النبي.