ويعترفون بكثرة وقوع المجاز في الكتب السماوية. قال صاحب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدّس الثمين) في الفصل الثالث عشر من كتابه «وأما اصطلاح الكتاب المقدّس فإنه ذو استعارات وافرة غامضة وخاصّة العهد العتيق» ثم قال : «واصطلاح العهد الجديد أيضا هو استعاري جدا ، وخاصّة مسامرات مخلّصنا. وقد اشتهرت آراء كثيرة فاسدة لكون بعض معلّمي النصارى شرحوها شرحا حرفيا. ولأجل ذلك نقدّم بعض أمثال لنرى بها أن تأويل الاستعارات حرفيا ليس صوابا. وذلك كقول المسيح عين هيرودس اذهبوا وقولوا لذلك الثعلب. فمن المعلوم أن المراد بلفظه الثعلب في هذه العبارة جبّار ظالم لأن ذلك الحيوان المدعو هكذا معروف بالحيلة والغدر أيضا. قال ربّنا لليهود : أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء ، فكلّ من أكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ، والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي ، سوف أعطيه لحياة العالم (يوحنّا ص ٦ عدد ١٥) فاليهود الشهوانيون فهموا هذه العبارة بالمعنى الحرفي ، وقالوا : كيف يقدر هذا الرجل أن يعطينا جسده لنأكله؟ (آية ٥٢) ولم يلاحظوا أنه عنى بذلك ذبيحته التي وهبها كفّارة لخطايا العالم. وقد قال مخلّصنا أيضا عن الخبز عند تعيينه العشاء السرّي : هذا هو جسدي. وعن الخمر : هذا هو دمي (متّى ص ٢٦ عدد ٢٦). فمنذ الدهر الثاني عشر جعل الرومانيون الكاثوليكيون لهذا القول معنى آخر معكوسا ومغايرا لشواهد أخرى في الكتب المقدسة وللدليل الصحيح ، وحتّموا أن ينتجوا من ذلك تعليمهم عن الاستحالة ، أي تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه الجوهريين عند ما يلفظ الكاهن بكلمات التقديس الموهوم ، مع أنه قد يظهر لكل الحواس الخمسة أن الخبز والخمر باقيان على جوهرهما ولم يتغيّرا. فأما التأويل الصحيح لقول ربنا فهو أن الخبز بمثل جسده والخمر بمثل دمه». انتهى كلامه بلفظه. فاعترافه بيّن لا خفاء فيه. لكن لا بدّ من النظر في قوله : (فمنذ الدهر الثاني عشر إلى آخره) فإنه ردّ على الرومانيين في اعتقاد استحالة الخبز والخمر إلى جسد المسيح عليهالسلام ودمه بشهادة الحسّ ، وأوّل قول المسيح عليهالسلام بحذف المضاف ، وإن كان ظاهر القول كما فهموا لأنه هكذا «٢٦ وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ قال : خذوا كلوا هذا هو جسدي ٢٧ وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا : اشربوا منها كلكم ٢٨ لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا». فقالوا : إن لفظ (هذا) يدلّ على جوهر الشيء الحاضر كله ، ولو كان جوهر الخبز باقيا لما صحّ هذا الإطلاق. وانهم كانوا ، قبل ظهور فرقة بروتستنت ، أكثر المسيحيين في العالم. وانهم كثيرون من هذه الفرقة إلى هذا الحين أيضا. فكما أن هذه العقيدة غلط بشهادة الحسّ عند هذه الفرقة ، فكذلك عقيدة التثليث غلط. ولو فرضنا دلالة بعض الأقوال المتشابهة بحسب الظاهر عليها ، بل محال بالأدلّة القطعية ، فإن