الخامس : لو كان العشاء الربّاني الذي كان قبل صلبه بيسير نفس الذبيحة التي حصلت على الصليب ، لزم أن يكون كافيا لخلاص العالم. فلا حاجة إلى أن يصلب على الخشبة من أيدي اليهود مرة أخرى. لأن المسيح ما جاء إلى العالم في زعمهم إلّا ليخلص الناس بذبيحة مرة واحدة ، وما أتى لكي يتألّم مرارا ، كما يدلّ عليه عبارة آخر الباب التاسع من الرسالة العبرانية صراحة.
السادس : لو صحّ ما ادّعوه ، لزم أن يكون المسيحيون أخبث من اليهود. لأن اليهود ما آلموه إلّا مرة واحدة فتركوا ، وما أكلوا لحمه ، وهؤلاء يؤلمونه ويذبحونه كل يوم في أمكنة غير محصورة. فإن كان القاتل مرة واحدة كافرا وملعونا ، فما بال الذين يذبحونه مرّات غير محصورة ويأكلون لحمه ويشربون دمه؟ نعوذ بالله من الذين يأكلون إلههم ويشربون دمه حقيقة. فإذا لم ينج من أيدي هؤلاء إلههم الضعيف المسكين ، فمن ينجو بعدنا الله من ساحتهم. ولنعم ما قيل (دوستى نادان سراسر دشمنيست).
السابع : وقع في الباب الثاني والعشرين من لوقا قول المسيح في العشاء الرباني هكذا : «اصنعوا هذا لذكري». فلو كان هذا العشاء هو نفس الذبيحة ، لما صحّ أن يكون تذكرة ، لأن الشيء لا يكون تذكرة لنفسه. فالعقلاء الذين عقولهم السليمة تحكم بأمثال هذه الأوهام في الحسّيّات ، لو وهموا في ذات الله أو في العقليات فأيّ استبعاد منهم؟ لكني أقطع النظر عن هذا وأقول : في مقابلة علماء بروتستنت إنه ، كما اجتمع هؤلاء العقلاء عندكم على هذه العقيدة المخالفة للحسّ والعقل تقليدا للآباء أو لغرض آخر ، فكذلك اجتماعهم واجتماعكم في عقيدة التثليث المخالفة للحسّ والبراهين. والأناس الكثيرون الذين تسمّونهم ملاحدة ، ومقدارهم في هذا الزمان أزيد من مقدار فرقتكم بل من فرقة الرومانيين أيضا. وهم عقلاء مثلكم ومن أبناء أصنافكم ومن أهل دياركم وكانوا مسيحيين مثلكم ، فتركوا هذا المذهب لاشتماله على أمثال هذه الأمور يستهزءون بها استهزاء بليغا لا يستهزءون بشيء آخر مثلها ، كما لا يخفى على من طالع كتبهم. وفرقة يوني نيرين من فرقة المسيحيين أيضا ينكرونها. والمسلمون واليهود سلفا وخلفا يفهمونها من جنس أضغاث الأحلام.
الأمر السادس (١) : كان الإجمال يوجد كثيرا في أقوال المسيح عليهالسلام ، بحيث لا يفهمها معاصروه وتلاميذه في كثير من الأحيان ، ما لم يفسّرها بنفسه. فالأقوال التي فسّرها من
__________________
(١) يتابع المؤلّف هنا تعداد «الأمور» التي نبّه إليه في مقدمة الباب الرابع.