هذه الأقوال المجملة فهموها ، وما لم يفسّره منها فهموا بعضها بعد مدة مديدة ، وبقي البعض عليهم مبهما إلى آخر الحياة ، ونظائره كثيرة. أكتفي هنا على بعضها. وقع في الباب الثاني من إنجيل يوحنّا مكالمة المسيح عليهالسلام مع اليهود الذين كانوا يطلبون المعجزة هكذا : «١٩ أجاب يسوع وقال لهم انقضّوا على هذا الهيكل في ثلاثة أيام أقيمه ٢٠ فقال اليهود في ستّ وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه ٢١ وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده ٢٢ فلما قام من الأموات تذكّر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع». فهنا لم يفهم التلاميذ ، فضلا عن اليهود. لكن فهم التلاميذ بعد ما قام من الأموات. وقال المسيح لنيقوديموس من علماء اليهود : إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. فلم يفهم نيقوديموس مقصوده ، وقال كيف يمكن أن يولد الإنسان وهو شيخ؟ أيقدر أن يدخل في بطن أمه ثانية ويولد؟ ففهّمه المسيح مرة أخرى ، فلم يفهم مقصوده في هذه المرة أيضا ، وقال : كيف يمكن هذا؟ فقال المسيح : ألا تفهم وأنت معلّم إسرائيل؟ وهذه القصة مفصّلة في الباب الثالث من إنجيل يوحنّا. وقال المسيح في مخاطبة يهودا : أنا خير الحياة إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي. فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين : كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟ فقال لهم المسيح : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان ولم تشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه. كما أرسلني الأب الحيّ وأنا حيّ بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي. فقال كثيرون من تلاميذه : إن هذا الكلام من يقدر أن يسمعه؟ فرجع كثير منهم عن صحبته. وهذه القصة مفصّلة في الباب السادس من إنجيل يوحنّا. فهنا لم يفهم اليهود كلام المسيح ، والتلاميذ استصعبوه وارتدّ كثير منهم. وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنّا هكذا : «٢١ قال لهم يسوع أيضا أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطبتكم حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ٢٢ فقال اليهود : لعلّه يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ٥١ الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد ٥٢ فقال له اليهود : الآن علمنا أن بك شيطانا. قد مات إبراهيم والأنبياء وأنت تقول : إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد». وهاهنا أيضا لم يفهم اليهود مقصوده في الموضعين ، بل نسبوه فى الموضع الثاني إلى الجنون. وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : «قال لهم : لعازر حبيبنا قد نام لكني أذهب لأوقظه ١٢ فقال تلاميذه : يا سيد إن كان قد نام فهو يشفى ١٣ وكان يسوع يقول عن موته وهم ظنّوا أنه يقول عن رقاد النوم ١٤ فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعازر مات». وهاهنا لم يفهم تلاميذ المسيح عليه