المقصد الثالث من الباب الثاني أن إنجيل متّى لم يبق ، بل الباقي ترجمته. ولم يعلم أيضا اسم مترجمه بالجزم إلى الآن. ولا يثبت بالسند المتصل أن الكتب الباقية من تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم. وقد ثبت أن التحريف وقع في هذه الكتب يقينا. وثبت أن أهل الدين والديانة كانوا يحرّفون قصدا لتأييد مسألة مقبولة أو لدفع اعتراض. وقد عرفت في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني بالأدلة القوية أنه ثبت تحريفهم في هذه المسألة ، فزادوا في الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنّا هذه العبارة «في السماء وهم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض». وزادوا بعض الألفاظ في الباب الأول من إنجيل لوقا ، وأسقطوا بعض الألفاظ من الباب الأول من إنجيل متّى ، وأسقطوا الآية الثامنة من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا. ففي هذه الصورة لو وجد بعض الأقوال المسيحية المتشابهة الدّالّة على التثليث لا اعتماد عليها ، مع أنها ليست صريحة ، كما ستعرف في الأمر الثاني عشر من المقدمة.
الأمر السابع : قد لا يدرك العقل ماهيّة بعض الأشياء وكنهها كما هي ، لكن مع ذلك يحكم بإمكانها. ولا يلزم من وجودها عنده استحالة ما ، ولذا تعدّ هذه الأشياء من الممكنات. وقد يحكم بداهة أو بدليل قطعي بامتناع بعض الأشياء ، ويلزم من وجودها عنده محال ما ، ولذا تعدّ هذه الأشياء من الممتنعات. وبين الصورتين فرق جليّ. ومن القسم الثاني اجتماع النقيضين الحقيقيين وارتفاعهما. وكذا اجتماع الوحدة والكثرة الحقيقيتين في مادة شخصية في زمان واحد من جهة واحدة. وكذا اجتماع الزوجية والفردية ، وكذا اجتماع الأفراد المختلفة. وكذا اجتماع الأضداد مثل النور والظلمة والسواد والبياض ، والحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، والعمى والبصر والسكون والحركة في المادة الشخصية ، مع اتحاد الزمان والجهة. واستحالة هذه الأشياء بديهية يحكم بها عقل كل عاقل. وكذا من القسم الثاني لزوم الدور والتسلسل ، وأمثالهما يحكم العقل ببطلانها بأدلّة قطعية.
الأمر الثامن : إذا تعارض القولان فلا بدّ من إسقاطهما ، إن لم يمكن التأويل أو من تأويلهما إن أمكن. ولا بدّ أن يكون التأويل بحيث لا يستلزم المحال أو الكذب. مثلا الآيات الدالّة على الجسمية والشكل تعارضت ببعض الآيات الدالّة على التنزيه ، فيجب تأويلها ، كما عرفت في الأمر الثالث. لكن لا بدّ أن يكون التأويل بأن الله متصل بصفتين أعني الجسمية والتنزيه ، وإن لم تدرك عقولنا هذا الأمر ، فإن هذا التأويل باطل محض واجب الردّ لا يرفع التناقض.
الأمر التاسع : العدد لمّا كان قسما من الكمّ لا يكون قائما بنفسه بل بالغير. وكل