موجود لا بدّ أن يكون معروضا للوحدة أو الكثرة ، والذوات الموجودة الممتازة بالامتياز الحقيقي المتشخّصة بالتشخيص تكون معروضة للكثرة الحقيقية ، فإذا صارت معروضة لها لا تكون معروضة للوحدة الحقيقية ، وإلا يلزم اجتماع الضدّين الحقيقيين ، كما عرفت في الأمر السابع. نعم يجوز أن تكون معروضة للوحدة الاعتبارية بأن يكون المجموع كثيرا حقيقيا وواحدا اعتباريا.
الأمر العاشر : المنازعة بيننا وبين أهل التثليث لا تتحقّق ما لم يقولوا إن التثليث والتوحيد كليهما حقيقيان. وإن قالوا التثليث حقيقي والتوحيد اعتباري فلا نزاع بيننا وبينهم ، لكنهم يقولون إن كلّا منهما حقيقي ، كما هو مصرّح به في كتب علماء بروتستنت. قال صاحب ميزان الحق في الباب الأول من كتابه المسمّى بحلّ الإشكال هكذا : «إن المسيحيين يحملون التوحيد والتثليث كليهما على المعنى الحقيقي».
الأمر الحادي عشر : قال العلّامة المقريزي في كتابه المسمى بالخطط في بيان الفرق المسيحية التي كانت في عصره : «النصارى فرق كثيرة : الملكانية والنسطورية واليعقوبية والبوذعانية والمرقولية وهم الرهاويون الذين كانوا بنوا حيّ حرّان وغير هؤلاء» ثم قال : «والملكانية واليعقوبية والنسطورية كلهم متّفقون على أن معبودهم ثلاثة أقانيم. وهذه الأقانيم الثلاثة هي واحدة ، وهو جوهر قديم ، ومعناه أب وابن وروح القدس إله واحد». ثم قال : «قالوا الابن اتّحد بإنسان مخلوق فصار هو وما اتّحد به مسيحا واحدا ، وإن المسيح هو إله العباد وربّهم. ثم اختلفوا في صفة الاتحاد. فزعم بعضهم أنه وقع بين جوهر لاهوتي وجوهر ناسوتي اتحاد ، ولم يخرج الاتحاد كل واحد منهما عن جوهريته وعنصره. وان المسيح إله معبود وانه ابن مريم الذي حملته وولدته ، وانه قتل وصلب. وزعم قوم أن المسيح بعد الاتّحاد جوهران أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي ، وأن القتل والصلب وقعا به من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته ، وان مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته. وهذا قول النسطورية. ثم يقولون إن المسيح بكماله إله معبود وإنه ابن الله ، تعالى الله عن قولهم. وزعم قوم أن الاتحاد وقع بين جوهرين لاهوتي وناسوتي فالجوهر اللّاهوتي بسيط غير منقسم ولا متجزّئ ، وزعم قوم أن الاتحاد على جهة حلول الابن في الجسد ومخالطته إياه. ومنهم من زعم أن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم والنقش إذا وقع على طين أو شمع وكظهور صورة الإنسان في المرآة ، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يوجد مثله في غيرهم. والملكانية تنسب إلى ملك الروم وهم يقولون : إن الله اسم لثلاثة معان فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد. واليعقوبية يقولون : إنه واحد قديم ، وإنه كان لا جسم ولا إنسان ، ثم تجسّم