وتأنّس. والمرقولية قالوا الله واحد ، علمه غيره قديم معه ، والمسيح ابنه على جهة الرحمة ، كما يقال إبراهيم خليل الله». انتهى كلامه بلفظه. فظهر لك أن آراءهم في بيان علاقة الاتحاد بين أقنوم الابن وجسم المسيح كانت مختلفة في غاية الاختلاف. ولذا ترى البراهين الموردة في الكتب القديمة الإسلامية مختلفة. ولا نزاع لنا في هذه العقيدة مع المرقولية إلّا باعتبار إطلاق اللفظ الموهم. وفرقة بروتستنت لمّا رأوا أن بيان علاقة الاتحاد لا يخلو من الفساد البيّن تركوا آراء الأسلاف وعجزوا أنفسهم واختاروا السكون عن بيانها وعن بيان العلاقة بين الأقانيم الثلاثة.
الأمر الثاني عشر : عقيدة التثليث ما كانت في أمة من الأمم السابقة من عهد آدم إلى عهد موسى عليهالسلام. وهوسات أهل التثليث ، بتمسّكهم ببعض آيات سفر التكوين ، لا تتمّ علينا لأنها في الحقيقة تحريف لمعانيها. ويكون المعنى على تمسكهم من قبيل كون المعنى في بطن الشاعر. ولا أدّعي أنهم لا يتمسكون بزعمهم بآية من آيات السفر المذكور ، بل أدّعي أنه لم يثبت بالنصّ كون هذه العقيدة لأمة من الأمم السالفة. وأما أنها ليست بثابتة في الشريعة الموسوية وأمته ، فغير محتاج إلى البيان لأن من طالع هذه التوراة المستعملة لا يخفى عليه هذا الأمر. ويحيى عليهالسلام كان إلى آخر عمره شاكّا في المسيح عليهالسلام بأنه المسيح الموعود به أم لا ، كما صرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى أنه أرسل اثنين من تلاميذه وقال له : أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ فلو كان عيسى عليهالسلام إلها يلزم كفره إذ الشك في الإله كفر. وكيف يتصوّر أنه لا يعرف إلهه وهو نبيّه؟ بل هو أفضل الأنبياء بشهادة المسيح كما هي مصرّحة في هذا الباب. وإذا لم يعرف الأفضل مع كونه معاصرا ، فعدم معرفة الأنبياء الآخرين السابقين على عيسى أحقّ بالاعتبار. وعلماء اليهود من لدن موسى عليهالسلام إلى هذا الزمان لا يعترفون بها. وظاهر أن ذات الله وصفاته الكمالية قديمة غير متغيرة موجودة أزلا وأبدا. فلو كان التثليث حقا لكان الواجب على موسى عليهالسلام وأنبياء بني إسرائيل أن يبيّنوه حقّ التبيين. فالعجيب كل العجب أن تكون الشريعة الموسوية التي كانت واجبة الإطاعة لجميع الأنبياء إلى عهد عيسى عليهالسلام ، خالية عن بيان هذه العقيدة التي هي مدار النجاة ، على زعم أهل التثليث ، ولا يمكن نجاة أحد بدونها ، نبيّا كان أو غير نبيّ. ولا يبيّن موسى ولا نبيّ من الأنبياء الإسرائيلية هذه العقيدة ببيان واضح بحيث تفهم منه هذه العقيدة صراحة ، ولا يبقى شك ما ، ويبيّن موسى عليهالسلام الأحكام التي هي عند مقدس أهل التثليث ضعيفة ناقصة جدا بالتشريح التامّ ، ويكرّرها مرة بعد أولى وكرّة بعد أخرى ، ويؤكد على محافظتها تأكيدا بليغا ، ويوجب القتل على تارك بعضها. وأعجب منه أن عيسى عليهالسلام أيضا ما بيّن هذه العقيدة إلى عروجه ببيان واضح ، مثلا بأن يقول إن الله