وإنما الفرق باعتبار القوّة والضعف. فاتحاد المسيح بهذا المعنى أشدّ وأقوى من اتحاد غيره. والدليل على كون الاتحاد عبارة عن هذا المعنى قول يوحنا في الباب الأول من رسالته الأولى وهو هكذا : «٥ وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة ٦ إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق ٧ ولكن إن سلكنا في النور ما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض». والآية السادسة والسابعة في التراجم الفارسية هكذا (اگر گوييم كه با وى متحديم ودر ظلمت رفتار نماييم دروغكوييم ودر راستى عمل ننماييم) ٧ (واكر در روشنائى رفتار نماييم چنانچه او در روشنائى مى باشد با يكديكر متحد هستيم) فوقع فيها بدل لفظ الشركة لفظ الاتحاد فعلم أن الاتحاد بالله أو الشركة بالله عبارة عما قلنا.
الرابع : في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «٩ الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب ١٠ ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب فيّ. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي ، لكن الأب الحال فيّ هو يعمل الأعمال» فقوله (الذي رآني فقد رأى الأب) وقوله : (أنا في الأب والأب فيّ) وقوله : (الأب الحال فيّ) دالة على اتحاد المسيح بالله. وهذا الاستدلال أيضا ضعيف بوجهين : أما الأول : فلأن رؤية الله في الدنيا ممتنعة عندهم ، كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة ، فيؤلونها بالمعرفة. ومعرفة المسيح باعتبار الجسمية أيضا لا تفيد الاتحاد ، فيقولون إن المراد بالمعرفة باعتبار الألوهية. والحلول الذي وقع في القول الثاني والثالث واجب التأويل عند جمهور أهل التثليث ، فيقولون أن المراد به الاتحاد الباطني. فبعد هذه التأويلات يقولون أنه لما كان إنسانا كاملا وإلها كاملا صحّ أقواله الثلاثة بالاعتبار الثاني. وقد عرفت مرارا أنه باطل ، لأن التأويل يجب أن لا يخالف البراهين والنصوص. وأما الثاني : فلأن الآية العشرين من الباب المذكور هكذا : «في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأني فيكم». وقد عرفت في جواب الدليل الثالث أن المسيح قال في حق الحواريين : «أنا فيهم وأنت فيّ». وبديهي أن حال الحال حالّ في محل الحال. والآية التاسعة عشر من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم». والآية السادسة عشر من الباب السادس من الرسالة الثانية إلى قورنثيوس هكذا : «وآية موافقة لهيكل الله مع الأوثان فإنكم أنتم هيكل الله الحيّ» إلخ. والآية السادسة من الباب الرابع من الرسالة إلى أهل أفسس هكذا : «إله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم». فلو كان الحلول مشعرا بالاتحاد ومثبتا للألوهية لزم أن يكون الحواريون ، بل جميع أهل قورنيثوس ، وكذا جميع أهل أفسس ، آلهة. بل الحق أن الأدنى إذا كان من أتباع الأعلى