من هذا الإنجيل المتعارف تكذيبه ، أقول أن عيسى عليهالسلام ، يحسب هذا الإنجيل ، ما أحيا إلى زمان الصلب إلا ثلاثة أشخاص ، كما عرفت في الباب الأول. وأحيا حزقيال عليهالسلام ألوفا ، كما هو مصرّح في الباب السابع والثلاثين من كتابه ، فهو أولى بأن يكون إلها. وأحيا إيلياء عليهالسلام أيضا ميتا ، كما هو مصرّح في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول. وأحيا اليشع عليهالسلام أيضا ميتا ، كما هو مصرّح في الباب الرابع من سفر الملوك الثاني ، وصدرت هذه المعجزة عن اليشع بعد موته : أن ميتا ألقي في قبره فحيي بإذن الله ، كما هو مصرّح في الباب الثالث عشر من السفر المذكور ، وأبرأ الأبرص من برصه ، كما هو مصرّح في الباب الخامس من السفر المذكور. وقد يتمسكون ببعض آيات كتب العهد العتيق وببعض أقوال الحواريين.
وإني قد نقلت هذه التمسكات مع أجوبتها في كتاب إزالة الأوهام. فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه. وتركت ذكرها في هذا الكتاب لأن التمسكات الأولية ضعيفة جدا ومع قطع النظر عن الضعف لا يثبت منها الألوهية ، على زعمهم أيضا ، ما لم يعترف أن المسيح إنسان كامل وإله كامل. وهذا التأويل باطل ، كما عرفت مرارا. والتمسكات الثانوية حالها كحال التمسكات بالأحوال المسيحية غالبا فيعامل بها معاملة أقوال المسيح من الحالات الثلاثة ، كما عرفت في صدر هذا الفصل. ولو فرضنا أن بعض القول منهم نص على هذا الأمر ، فيحمل على أنه بحسب اجتهادهم. وقد عرفت في الباب الأول أن جميع تحريراتهم ليست بالإلهام ، وأنه قد وقع منهم الأغلاط والاختلافات والتناقض يقينا. وقول مقدسهم بولس غير مسلّم عندنا لأنه ليس بحواري ولا واجب التسليم عندنا ، بل لا نسلم وثاقته. واعلم ، أرشدك الله تعالى ، إنما نقلت الأقوال المسيحية وأوّلتها لأجل إتمام الإلزام وإثبات أن تمسكهم بها ضعيف. وكذا ما قلت في أقوال الحواريين إنما هو على تقدير تسليم أنها أقوالهم ، ولا ثبت عندنا أنها أقوال المسيح عليهالسلام والحواريين لأجل فقدان إسناد هذه الكتب ، كما عرفت في الباب الأول ، ولأجل وقوع التحريف فيها عموما وفي هذه المسألة خصوصا أيضا ، كما عرفت في الباب الثاني أن عادتهم في مثل هذه الأمور كانت كذلك. وعقيدتي أن المسيح والحواريين كانوا برآء من هذه العقيدة الكفرية يقينا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وأن الحواريين رسل رسول الله.
ووقعت بين الإمام الهمام الفخر الرازي عليه الرحمة وبين بعض القسيسين مناظرة بخوارزم. ولما كان نقلها لا يخلو من فائدة ، فانقلها. قال قدسسره في المجلد الثاني من تفسيره في سورة آل عمران تحت تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ...) [آل عمران : ٦١].