وكذا لم يثبت أن كل كتاب منها إلهامي ، وقد ثبت أنها مختلفة اختلافا معنويا في مواضع كثيرة ومملوءة بالأغلاط الكثيرة يقينا ، كما عرفت هذه الأمور في الباب الأول ، وقد ثبت التحريف فيها أيضا ، كما عرفت في الباب الثاني ، فلا تضر مخالفتها القرآن في المواضع المذكورة ، بل تكون دليلا على كون المواضع المذكورة غلطا أو محرّفة في الكتب المذكورة كسائر الأغلاط والتحريفات التي عرفتها في البابين الأولين. وقد عرفت في الأمر الرابع من الفصل الأول من هذا الباب أن هذه المخالفة قصدية لأجل التنبيه على أن مخالف القرآن غلط أو محرّف لا أنها سهوية. والجواب الثاني : أن المخالفة التي بين القرآن وبين كتب العهدين في ذم القسيسين على ثلاثة أنواع : الأول : باعتبار الأحكام المنسوخة والثاني : باعتبار بعض الحالات التي جاء ذكرها في القرآن ولا يوجد ذكرها في العهدين؟ والثالث : باعتبار أن بيان بعض الحالات في القرآن يخالف بيان هذه الكتب ، ولا مجال لهم أن يطعنوا على القرآن باعتبار هذه الأنواع.
أما الأول : فلأنك قد عرفت في الباب السادس بما لا مزيد عليه أن النسخ لا يختص بالقرآن ، بل وجد في الشرائع السابقة بالكثرة ، وأنه لا استحالة فيه ، وأن الشريعة العيسوية نسخت جميع أحكام التوراة إلا تسعة أحكام من الأحكام العشرة المشهورة. وقد وقع فيها التكميل أيضا على زعمهم ، والتكميل أيضا نوع من أنواع النسخ ، فصارت هذه الأحكام أيضا منسوخة بهذا الوجه. فبعد ذلك ليس من شأن المسيحي العاقل أن يطعن على القرآن باعتبار هذا النوع.
وأما الثاني : فهو كالأول أيضا ، وشواهد كثيرة أكتفي منها على ثلاثة عشر شاهدا : الشاهد الأول : الآية التاسعة من رسالة يهودا هكذا : «وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب». فمخاصمة ميخائيل إبليس عن جسد موسى لم تذكر في كتاب من كتب العهد العتيق. الشاهد الثاني : ثم في تلك الرسالة هكذا : «١٤ وتنبأ عن هؤلاء أيضا اخنوع السابع من آدم قائلا هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسية ١٥ ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها ، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلّم بها عليه خطاط فجار». ولا أثر لهذا الخبر أيضا في كتاب من كتب العهد العتيق. الشاهد الثالث : الآية الحادية والعشرون من الباب الثاني عشر من الرسالة العبرانية هكذا : «وكان المنظر هكذا مخيفا حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد». وهذا الحال مذكور في الباب التاسع عشر من سفر الخروج لكن لا يوجد فيه ولا في كتاب من كتب العهد العتيق هذه الفقرة «حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد». الشاهد الرابع : الآية الثامنة من الباب الثالث من الرسالة الثانية إلى