الحكاية الأولى : ما نقله الطيبي في شرح المشكاة أن مسلما كان يتلو القرآن ، فسمع منه بعض القسّيسين هذا القول : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقال : إن هذا القول يصدق ديننا ويخالف ملّة الإسلام ، لأن فيه اعترافا بأن عيسى عليهالسلام روح هو بعض من الله. فكان عليّ بن حسين بن الواقد مصنّف كتاب النظير حاضرا هناك ، فأجاب بأن الله قال مثل هذا القول في حقّ المخلوقات كلها : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] فلو كان معنى «روح منه» روح بعض منه أو جزء منه ، فيكون معنى «جميعا منه» أيضا على قولك مثله فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة. فأنصف القسّيس وآمن.
الحكاية الثانية : استدلّ البعض من الفرقة المسيحية في البلد دهلي في إثبات التثليث بقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء ، فيدلّ على التثليث. فأجاب بعض الظرفاء أنك قصرت عليك أن تستدلّ بالقرآن على التسبيع وجود سبعة آلهة بمبدإ سورة المؤمن [١ ـ ٢] ، وهو هكذا (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) بل عليك أن تقول إنه يثبت وجود سبعة عشر إلها من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسما من الذات والصفات متوالية. فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطّلاع على ستّة وثلاثين قولا من أقوال القسّيس النبيل. وأنقل في أكثر المواضع من كتابي هذا من أقواله الأخر أيضا ، وأردّ عليها وأسأل الأمان من القسّيس النبيل أن يجوّز لي ، نظرا إلى الأقوال التي نقلتها ، أن أقول في حقّه اقتداء بعادته قولا مطابقا لقوله إن هذه المواد ، التي لا أساس لها والمواد التي مثلها ، تدلّ دلالة واضحة على قلّة وعدم دقّة نظره. لأنه لو كان له دقّة جزئية وأدنى معرفة في العلم لما قال ذلك أم لا يجوز. ففي الصورة الثانية لا بدّ من بيان الفرق بأنه يجوز له أن يقول لو وجد في كلام المخالف خمسة أقوال أو ستّة أقوال مجروحة في زعمه ولا يجوز للمخالف ولو وجد المخالف في كلامه أقوالا باطلة قطعا أزيد مما وجده بقدر ستّة أمثال. وفي الصورة الأولى لا بدّ أن ينظر إلى حاله ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق ومفتاح الأسرار وحلّ الإشكال وغيرها ، لأن الكلام الباقي حاله في الصورة المذكورة يكون كحال الكلام المذكور. ولنعم ما قيل : لا تفتح بابا يعييك سدّه ولا ترم سهما يعجزك ردّه. والمقصود الأصلي مما ذكرت في هذا الأمر السابع الذي يكتب جواب كتابي هذا فالمرجو منه أن ينقل أولا عبارتي ، ثم يجيب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب. وإن خاف التطويل فلا بدّ أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستّة ، ويراعي أيضا في تحرير