يقول : كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان ، إلا أنت فأنت شجرة فريدة في مفازة الجهل ، فوجدتك ضالا فهديت بك الخلق. ونظيره قوله عليهالسلام : «الحكمة ضالة المؤمن». والسابع : ان معناها وجدك ضالا عن القبلة ، فإنه كان يتمنى أن تجعل الكعبة قبلة له ، وما كان يعرف أن ذلك يحصل له أم لا ، فهدى الله بقوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) [البقرة : ١٤٤] فكأنه سمى ذلك التحير بالضلال. والثامن : الضلال بمعنى المحبة كما في قوله تعالى : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] أي محبتك. ومعناه أنك محب فهديتك إلى الشرائع التي بها تتقرب إلى خدمة محبوبك. والتاسع : ان معناها وجدك ضالا ، أي ضائعا في قومك كانوا يؤذونك لا يرضون بك رعية ، فقوّى أمرك وهداك إلى أن صرت واليا عليهم. والعاشر : ان معناها ما كنت تهتدي على طريق السموات فهديتك إذ عرجت بك إليها ليلة المعراج والحادي عشر : ان معناها وجدك ضالا ، أي ناسيا ، فهدى ، أي ذكرك. وذلك أنه ليلة المعراج نسي ما يجب أن يقال بسبب الهيبة ، فهداه الله تعالى إلى كيفية الثناء حتى قال لا أحصي ثناء عليك. وجاء الضلال بهذا المعنى في قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) [البقرة : ٢٨٢]. والثاني عشر : قال الجنيد قدسسره : وجدك متحيرا في بيان ما أنزل عليك ، فهداك لبيانه لقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، ويؤيده قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٦ ـ ١٩] ، وقوله عزوجل : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤] ، وعلى كل تقدير لا تمسّك لهم بهذه الآية. ويجب تفسير الآية بالوجوه التي ذكرتها وبأمثالها التي ذكرها المفسرون لقوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) [النجم : ٢] إذ المراد به نفي الضلالة والغواية في أمور الدين بلا شبهة ، ومعناه ما كفر ، ولا أقلّ من ذلك فما فسق. والمراد في الآية الثانية بالكتاب القرآن ، وبالإيمان تفاصيل شرائع الإسلام. ومعنى الآية : ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا الفرائض والأحكام ، وهذا حق. لأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، كان قبل الوحي مؤمنا بتوحيد الرب إجمالا ، وما كان عارفا بتفاصيل شرائع الإسلام ، بل صار عارفا بعد الوحي ، أو المراد بالإيمان الصلاة كما في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] أي صلاتكم فمعنى الآية : ما كنت تدري ما الكتاب أي القرآن ، ولا الإيمان أي الصلاة ، وما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عالما بكيفية هذه الصلاة المشروعة في ملّته قبل النبوّة. أو المراد بالإيمان أهل الإيمان على حذف المضاف ، أي : ما كنت تدري ما الكتاب ومن أهل الإيمان ، يعني من الذي يؤمن بك ، وحذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة أيضا. الآية