وفضلا عن كونه ذا إلهام؟ وبلوقا الذي لم يكن من الحواريين يقينا ، ولم يثبت كونه ذا إلهام؟ فالغالب أنه حصل لهما ورقتان مختلفتان في بيان نسب يوسف النجار ، ولم يحصل لهما التمييز بين الصحيح والغلط. فاختار أحدهما بظنه إحدى الورقتين والآخر الورقة الأخرى. ورجاء المفسّر المذكور بأن الزمان يفعله. هكذا رجاء بلا فائدة ، لأنه إذا لم يصف إلى مدة ألف وثمانمائة ـ سيما في هذه القرون الثلاثة الأخيرة التي شاعت العلوم العقلية والنقلية فيها في ديار أوروبا ، وتوجّهوا إلى تحقيق كل شيء ، حتى إلى تحقيق الملّة أيضا ، فأصلحوا في الملّة أولا إصلاحا ما ، فحكموا على المذهب العمومي في أول الوهلة بأنه باطل ، وعلى البابا الذي كان مقتدى الملّة بأنه دجّال غدّار ، ثم اختلفوا في الإصلاح وافترقوا إلى فرق ، ثم كانوا يزيدون في الإصلاح يوما فيوما حتى ترقّى المحقّقون غير المحصورين منهم لأجل زيادة تحقيقهم إلى أعلى درجة الإصلاح حتى فهموا الملّة المسيحية كالحكايات الباطلة والخيالات الواهية ـ فظنّ الصفاء في زمان آخر ظنّ عبث. والتوجيه المشهور الآن هذا : أنه يجوز أن يكون متى كتب نسب يوسف ، ولوقا كتب نسب مريم ، ويكون يوسف ختن هالي ، ولا يكون لهالي ابن فنسب الختن إليه وأدخل في سلسلة النسب. وهذا التوجيه مردود لوجوه :
الأول : إن المسيح على هذا التقدير يكون من أولاد ناثان لا من أولاد سليمان ، لأن نسبه الحقيقي من جانب أمه ، ولا اعتبار لنسب يوسف النجّار في حقه. فيلزم أن لا يبقى المسيح مسيحا ، ولذلك قال مقتدي فرقة بروتستنت كالوين في ردّ هذا التوجيه : «من أخرج سليمان عن نسب المسيح فقد أخرج المسيح عن كونه مسيحا».
والثاني : إن هذا التوجيه لا يصحّ إلّا إذا ثبت من التواريخ المعتبرة أن مريم بنت هالي ومن أولاد ناثان. ومجرد الاحتمال لا يكفي لهذا ، سيما في الصورة التي يردّه المحقّقون فيها ، مثل آدم كلارك المفسّر وغيره ويردّه مقتداهم كالوين ، ولم يثبت هذان الأمران بدليل ضعيف ، فضلا عن القوي بل ثبت عكسهما. لأنه صرّح في إنجيل يعقوب أن اسم أبوي مريم (يهوياقيم وعانا). وهذا الإنجيل ، وإن لم يكن إلهاميّا ومن تصنيف يعقوب الحواري عند أهل التثليث المعاصرين لنا ، لكن لا شك أنه من جعل بعض أسلافهم وقديم جدا ، ومؤلّفه من القدماء الذين كانوا في القرون الأولى. فلا تنحطّ رتبته عن رتبة التواريخ المعتبرة ، ولا يقاومه مجرد احتمال لا يكون له سند. وقال أكستاين أنه صرّح في بعض الكتب التي كانت توجد في عهده : «إن مريم عليهاالسلام من قوم لاوي». وهذا ينافي كونها من أولاد ناثان. وإذا لاحظنا ما وقع في الباب السادس والثلاثين من سفر العدد أن كل رجل يتزوج بامرأة من سبطه وقبيلته ، وكذلك كل امرأة تتزوّج برجل من سبطها وقبيلتها ليثبت الميراث في القبائل ولا تختلط الأسباط بعضها ببعض ، وما وقع في الباب الأول من إنجيل لوقا أن زوجة