زكريا كانت من بنات هارون ومريم عليهاالسلام كانت قريبة لها ، ظهر أن الحق ما وقع في بعض الكتب ، لأن مريم عليهاالسلام كانت قريبة لزوجة زكريا ، وهذه كانت من بنات هارون قطعا. فتكون مريم من بنات هارون أيضا ، وإذا كانت كذلك ، كان زوجها المزعوم أيضا من أولاد هارون بحكم التوراة ، ويكون بيان كلّ من الإنجيلين غلطا من جعليات أهل التثليث ليثبت أن عيسى عليهالسلام كان من أولاد داود ، ولا يطعن اليهود في كونه مسيحا موعودا. لأجل هذا ولمّا لم تكن هذه الأناجيل مشهورة إلى آخر القرن الثاني ، لم يطّلع أحد المحرّفين على التحرير الجعلي للآخر فوقعا في الاختلاف.
والثالث : أنه لو كانت مريم بنت هالي لظهر الأمر للقدماء ، ولو كان لهم علم بذلك لما وجّهوا بتوجيهات ركيكة يردّها المتأخرون ويشنّعون عليها.
والرابع : أن ألفاظ متّى هكذا : «يعقوب أكينيسي تون يوسف» ، وألفاظ لوقا هكذا : «ديوس يوسف توهابي». فيعلم من كلتا العبارتين أن كلّا من متّى ولوقا يكتبان نسب يوسف.
والخامس : لو فرضنا أن مريم كانت بنت هالي ، فلا يصحّ ما في لوقا إلّا بعد أن يثبت أن اليهود كان رواجهم أن الختن إذا لم يكن لزوجته أخ كان يدخل في سلسلة النسب ويكتب فيها في موضع الابن. لكنه لم يثبت هذا الأمر إلى الآن بوجه يعتمد عليه. وهوسات بعض علماء بروتستنت واستنباطهم الضعيف القابل للردّ لا يتمّ علينا. ونحن لا ننكر انتساب شخص إلى آخر مطلقا ، بل يجوز عندنا أيضا أنه إذا كان ذلك الآخر من أقاربه النسبية أو السببية أو أستاذه أو مرشده ومشهورا لأجل المنزلة الدنياوية أو الدينية ، ينسب هذا الشخص إليه. فيقال مثلا إنه ابن الأخ أو الأخت أو ختن لفلان الأمير أو السلطان أو تلميذ لفلان الفاضل أو مريد للشيخ الفلاني. لكن هذا الانتساب أمر ، والإدخال في سلسلة النسب بأنه ابن لأبي زوجته ، وكون هذا رواج اليهود أمر آخر ، فنحن ننكر هذا الأمر الآخر ونقول إنه لم يثبت أنه كان رواجهم كذلك (١).
الاختلاف الثاني والخمسون والثالث والخمسون : من قابل الباب الثاني من إنجيل متّى بالباب الثاني من إنجيل لوقا وجد اختلافا عظيما بحيث يجزم أنه لا يمكن أن يكون كلّ منهما إلهاميّا. وأنا أكتفي بنقل اختلافين :
__________________
(١) إنجيل متّى هذا لم يكن مشهورا معتبرا في عهد لوقا ، وإلّا فكيف يتصوّر أن يكتب لوقا نسب المسيح بحيث يخالف تحرير متى. في بادئ الرأي مخالفة تحيّر فيها المحقّقون من القدماء والمتأخرين سلفا وخلفا ولا يزيد حرفا أو حرفين للتوضيح بحيث يرتفع الاختلاف.