الثالث : إن ظهور المعجزات وخوارق العادات عندهم ليس دليل الإيمان فضلا عن النبوّة ، ثم فضلا عن الألوهية. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متّى قول عيسى عليهالسلام هكذا : «سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضا». وفي الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي قول بولس في حقّ الدجّال : «الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة».
الرابع : إن من يدعو إلى عبادة غير الله فهو واجب القتل بحكم التوراة ، وإن كان ذا معجزات عظيمة. ومدّعو الألوهية أشنع من هذا ويدعو إلى عبادة غير الله لأنه غير الله يقينا ، كما ستعرف في الباب الرابع مفصّلا ومدلّلا ، ويدعو إلى عبادة نفسه. فإذا عرفت هذه المقدمات الأربعة فأقول : إن عيسى عليهالسلام ولد يواقيم على حسب النسب المندرج في إنجيل متّى ، فلا يكون قابلا لأن يجلس على كرسي داود بحكم المقدمة الأولى ، ولم يجيء قبله إيلياء ، لأن يحيى لمّا اعترف بأنه ليس بإيلياء ، فالقول الذي يكون بخلافه لا يقبل ، ولا يتصوّر أن يكون إيلياء مرسلا من الله ذا وحي وإلهام ولا يعرف نفسه ، فلا يكون عيسى عليهالسلام مسيحا موعودا بحكم المقدمة الثانية ، وادّعى الألوهية على زعم أهل التثليث ، فيكون واجب القتل بحكم المقدمة الرابعة ، والمعجزات التي نقلت في الأناجيل ليس بصحيحة عند المخالف أولا ، ولو سلمت ليست دليل الإيمان فضلا عن النبوّة ، فيكون اليهود مصيبين في قتله والعياذ بالله. وما الفرق في هذا المسيح الذي يعتقده النصارى وبين مسيح اليهود؟ وكيف يعلم أن الأول صادق والثاني كاذب مع أن كلّا منهما يدّعي الحقّيّة لنفسه وكلّ منهما ذو معجزات باهرة على اعترافهم؟ فلا بدّ من العلامة الفارقة بحيث تكون حجّة على المخالف. فالحمد لله الذي نجّانا من المهالك بواسطة نبيّه وصفيّه محمد صلىاللهعليهوسلم حتى اعتقدنا أن عيسى ابن مريم عليهماالسلام نبيّ صادق ومسيح موعود بريء عن دعوى الألوهية ، وافترى أهل التثليث عليه في هذا الأمر.
الاختلاف الثامن والخمسون إلى الاختلاف الثالث والستّين : وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى والباب الأول من إنجيل مرقس والباب السابع من إنجيل لوقا هكذا : «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيّئ طريقك قدّامك». ونقل الإنجيليّون الثلاثة هذا القول على رأي مفسّريهم من الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا ، وهي هكذا : «ها أنا ذا مرسل ملاكي ويسهل الطريق أمام وجهي». فبين المنقول والمنقول عنه اختلاف بوجهين : الأول : أن لفظ (أمام وجهك) في هذه الجملة (ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي)