ثديي ـ أو قال نحري ـ فعلمت ما في السموات وما في الأرض. ثم قال : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ، قال : قلت نعم ، يختصمون في الكفارات والدرجات ، قال : وما الكفارات والدرجات؟ قال : قلت المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإبلاغ الوضوء في المكاره ، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، وقال : قل يا محمد إذا صليت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون قال : والدرجات بذل الطعام وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام» وقد تقدم في آخر سورة (ص) عن معاذ نحوه.
وقد رواه ابن جرير (١) من وجه آخر عن ابن عباس وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال : حدثني أحمد بن عيسى التميمي ، حدثني سليمان بن عمر بن سيار ، حدثني أبي عن سعيد بن زربي عن عمر بن سليمان ، عن عطاء عن ابن عباس قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب ، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي ، فعلمت ما في السموات والأرض فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فقلت يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما وفعلت وفعلت فقال ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أضع عنك وزرك؟ ألم أفعل بك ألم أفعل بك؟ قال فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها قال فذاك قوله في كتابه : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي» إسناده ضعيف.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هبار بن الأسود رضي الله عنه أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى ، فبلغ قوله رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقال : سلط الله عليه كلبا من كلابه. قال هبار : فكنت معهم فنزلنا بأرض كثيرة الأسد ، قال فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحدا واحدا حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم. وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة أن ذلك كان بأرض الزرقاء وقيل بالسراة ، وأنه خالف ليلتئذ ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله فجاء الأسد فجعل يزأر ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه لعنه الله.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها وكانت ليلة
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٥١٠.