وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، حدثنا معمر عن قتادة (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس ، وقال : وهي في قراءة ابن مسعود : ما يمسه إلا المطهرون ، وقال أبو العالية (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ليس أنتم ، أنتم أصحاب الذنوب ، وقال ابن زيد : زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء : ٢١٢] وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله ، وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به.
وقال آخرون (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أي من الجنابة والحدث قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ، كما روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (٢) واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر (٣).
وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ولا يمس القرآن إلا طاهر» وهذه وجادة (٤) جيدة قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي الأخذ به ، وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص وفي إسناد كل منها نظر ، والله أعلم. وقوله تعالى : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي هذا القرآن منزل من الله رب العالمين وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر ، بل هو الحق الذي لا مرية فيه وليس وراءه حق نافع. وقوله تعالى : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قال العوفي عن ابن عباس : أي مكذبون غير مصدقين ، وكذا قال الضحاك وأبو حزرة والسدي ، وقال مجاهد (مُدْهِنُونَ) أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال بعضهم : معنى وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون أي تكذبون بدل الشكر ، وقد روي عن علي وابن عباس أنهما قرءاها «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون» كما سيأتي وقال ابن جرير (٥) : وقد ذكر عن الهيثم بن عدي
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٥٨.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٢٩ ، ومسلم في الإمارة حديث ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤.
(٣) أخرجه مالك في مس القرآن حديث ١.
(٤) الوجادة في اصطلاح المحدثين : اسم لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة.
(٥) تفسير الطبري ١١ / ٦٦٢.