وبالله المستعان.
وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير أنه لما قتل أصحاب بئر معونة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانوا سبعين وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ، وكان معهما عهد من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمان لم يعلم به عمرو ، فلما رجع أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد قتلت رجلين لأدينهما» وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بني النضير ليستعينهم في دية ذينك الرجلين ، وكانت منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة (١) : ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم عقد لهما فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف ، فلما أتاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا : نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ـ ورسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم إلى جنب جدار من بيوتهم ـ فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا إلى المدينة.
فلما استلبث النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه ، فقال رأيته داخلا المدينة ، فأقبل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم ، ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع النخل والتحريق فيها ، فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض وتعيبه على من يصنعه ، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا فقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل ، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢.