فبعد ما تراه في سفينة النجاة (١) يحمل على القائلين بالاجتهاد ومقلديهم بشدة وعتاب ، ويشدد عليهم في الخطاب (٢) ، ذهب يقول في رسالته الإنصافية (٣) أنه لا يجوز الحكم بكفر أحد يقرّ بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر ويلتزم الشرائع ويسعى في وجدان ما ضلّ عنه من مطلوبه.
وأمّا من ناحية أنّه محدّث ، فصار أكثر اشتغالا بالحديث ، وأشد اهتماما به ، فقد صنف كتابه الكبير الوافي حينما بلغ سنوه (٦١) والشافي عند ما كان في السابعة والخمسين من عمره الشريف ـ قدسسره ـ على أنّه لم يخل سائر كتبه ـ سيما ما صنّفه في اخريات عمره ـ من الاستدلال بالحديث والاعتماد عليه ، في مختلف الوجهات ؛ ثمّ تفسيره للقرآن الكريم ـ الصافي ـ تفسير بالمأثور ، فالناظر فيه بنظر الاعتبار يرى اهتمام مؤلفه في تفسير القرآن بالحديث.
وأمّا بالنسبة إلى الحكمة والعرفان ، فحيث أن كلام المخالفين دائر حول هذا المقام ، فعلينا أن نبسط فيه القول ولو طال الكلام.
فلكي نقف على تغيير وجهات نظر الفيض أو عدمه يلزمنا أن نقارن بين بعض ما كتبه في أوائل ـ أو أواسط ـ عمره ، وما صنّف في ذلك المجال في أواخره. ولو ذهبنا نطابق ذلك في جميع تأليفاته المتناظرة خرجنا عن نطاق مقدمة الكتاب ، ولكن يكفينا في هذا المجال أن نقارن بين كتابين له في الحكمة
__________________
(١) ـ قال فيه (ص ١١٩) : «ولنقصنّ عليك من اجتهادات المجتهدين في مسائل الدين ما يتبيّن لك به أنّهم كيف يضعون (ظ : يصنعون) وأنّى يؤفكون».
وقال في آخر الكتاب (ص ١٤١) : «وحيث انتهت سفينتنا في بحر الاختلاف إلى ساحل النجاة ، وجرت بنا إلى منازل الهداة ، لنرسلها عن الجريان ونمسك القلم عن الطغيان ، (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ،) و (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ؛) و (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) وأدخل معك من تبعنا ، (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ،) وتميّز القول الميّت من الحيّ ، وكشف الغطاء من البين ، ولاح الصبح الذي عينين ؛ (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ ...)».
(٢) ـ مرت حكاية قول صاحب اللؤلؤة : يفهم منها (سفينة النجاة) نسبة جمع من العلماء إلى الكفر.
(٣) ـ الانصاف : ١٩٥.