واشتغل بالتأليف والتعليم وإرشاد العوام والخواصّ. ويظهر من التأمّل في سيرته أنّه سار مراحل ثلاث :
ففي المرحلة الاولى اشتغل بتحصيل المقدّمات والعلوم الظاهرية إلى أن بلغ رتبة الاجتهاد فيها ، وذلك حين اشتغاله بالتعلم في مولده كاشان ثم رحلته إلى أصبهان وشيراز.
والمرحلة الثانية تبدأ من حين رجوعه من شيراز ، حيث لم ير فيما حصّله في المرحلة الاولى رواء غلّته وشفاء علّته ؛ فأخذ بعد ما أحكم العلم الظاهر يتفحّص عمن عنده شيء من علم الباطن ؛ وإن كان من أول أمره أيضا راغبا في ذلك سائلا عنه ، إلا أنه لم يكن فيه مجدّا إلى ذلك المقدار ، فسافر في البلاد وطاف الديار حتّى وصل ـ كما قال ـ في قم إلى صدر المتألهين الشيرازي ، فأقام عنده سنين مشتغلا بالرياضات وتحصيل علم الباطن ، وكان في هذه الأوان ذا شوق واهتمام وجدّ ، يكتب ويقول ويصرح بمكنوناته ويبتهج بها ؛ وهذه المرحلة ابتدأت من رجوعه من شيراز إلى أصبهان ثم رحلاته إلى البلاد وإقامته في قم ورجوعه مع صدر المتألهين إلى شيراز ورجوعه بالأخير وبعد فوت صدر المتألهين إلى مولده كاشان وبقائه فيها مدة.
والمرحلة الثالثة تبدأ من هذا التأريخ بعد ما تكامل وحصّل العلوم والتجارب الضروريّة في العلم والعمل ، ونال من العوام والخواصّ من معاصريه ما نال ، فرأى النجاة والراحة في الإعراض عن الخلق باطنا والكون معهم ظاهرا ، والإقبال على الاهتمام بالنفس عملا والتمسك بالثقلين والتفكر فيهما علما ، وفي هذه المرحلة نراه عالما عارفا معتدلا ، بلا إفراط ولا تفريط ، يراعي الظاهر والباطن ، يعيش مع الخلق ويكتب لهم ويهديهم في الظاهر ، ولا يختلط بهم وينعزل عنهم ويستمر مسيره في الباطن.
هذا ما نستنتجه من التأمّل في سيرة المترجم له قدسسره ـ العلمية والعملية ـ ولنستمع إلى ما كتبه في رسالته «شرح الصدر» حيث شرح فيها قسما من سيرته وسوانح أيّام حياته ، قائلا أنّه «لمّا لم يجد أحدا يظهر له ما في قلبه من عقد المكاره ، رأى أن يكتب ذلك بمعونة القلم في أوراق ينفّس بها كربته ؛ والرسالة مؤلّفة في سنة (١٠٦٥) حين كان في الثامنة والخمسين من