٥ ـ أعرض عن ذكر المباحث التي ليست لها أهمية في الإرشاد ونفع غير الجدال ، وركّز على ذكر المباحث التي يضطرّ الناظر إلى التأمّل فيها ليستبين له الطريق إلى العلم والعمل ، فهذا العلم عنده وسيلة يرشد العباد إلى معرفة المسلك والسبيل حتى يشرعوا في السلوك العملي ويصلوا إلى المقصد الحقيقي ، ويعاينوا بعين اليقين ما علموه بعلم اليقين ، لا أن يجعلوا الكلام مقصدا نهائيا ويطوفوا حوله ... ليس لهم شغل إلا البحث والجدال واختراع الشكوك والجواب عنها طوال العمر والأعصار.
وقد أبان ـ قدسسره ـ عن نفس ما أشرنا إليه حيث قال في فهرس كتبه عند تعريف كتابه هذا :
«ومنها كتاب علم اليقين في اصول الدين ، يشتمل على خمسين مطلبا في أربعة مقاصد ذوات أبواب ، هي العلم بالله والعلم بالملائكة والعلم بالكتب والرسل والعلم باليوم الآخر ، على ما يستفاد من الكتاب والسنّة وأخبار أهل البيت عليهمالسلام ؛ ببيان ما يحتاج منها إلى البيان ، والتوفيق بين ما تتراءى منها متخالفة بحسب الظاهر ، ونقل نتائج أفكار اولي الألباب ، فيما يدقّ من ذلك ويلطف ، مع شواهد وتأييدات تطابق الأذهان السليمة والأذواق المستقيمة ، قاصر الطرف على بيان الحقّ ، مرفوع الذيل عن نقل الأقوال ، وسلوك طريقة أهل الجدال ـ كما هو دأب المتكلمين والمتفلسفين من أصحاب الظنّ والتخمين ـ وهو كتاب لم يسبق بمثله ، ولم ير شبيهه ـ فيما أظنّ ـ بل تفرّدت بطريق تأليفه بإلهام من الله ـ جلّ وعزّ ـ وله الحمد. وقد تمّ جميع أبوابه ومقاصده في أربعة عشر ألف بيت وخمسمائة تقريبا في سنة اثنتين وأربعين بعد الألف».
وقال في الفهرس عند تعريف كتابه الآخر ـ المحجّة البيضاء ـ : «ونسبة مسائله الشرعية من العبادات والمعاملات إلى الكتب الفقهية كنسبة علم اليقين إلى الكتب الكلامية».
بقي كلام ، وهو أنّ هذا الكتاب مما كتبه المؤلف في أواسط عمره الشريف ، فهل بقي رأيه فيه في اخريات عمره على ما كان في الأول؟
فالجواب يظهر أولا بالتأمل فيما نقلناه عن فهرس كتبه عند تعريف الكتاب وتعظيمه ، والفهرس مما هو مكتوب في اخريات عمره الشريف.