الليالي الطوال في الخمر والشراب مع المغنِّيات والراقصات ، وأهل المجون والخلاعة ، كعبادة المخنَّث وغيره ، إلى أنْ هجم عليه الاتراك وقطَّعوه هو ووزيره الفتح بن خاقان بسيوفهم وهم سكارى لم يفيقوا إلاّ بحَرِّ السيوف ، حتى اختلط لحم الخليفة بلحم الوزير ، ولم يتميَّز أحدهما منَ الاخر (١) ، وإلى هذا أشار ملك الشُّعراء وأشعر الملوك ، البطل الفارس أبو فراس ، يخاطب بني العبّاس في شافيته المعروفة :
مِنكُم عَليةَ أمْ منهُمْ وَكانَ
لَكُم |
|
شَيخُ المُغَنِّينَ إبراهيمَ أمْ
لَهُمُ |
تَبدو التلاوَةُ مِنْ أبياتِهِمْ
سَحراً |
|
وَمِنْ بُيُوتكُمُ الاوتار
وَالنَّغَمُ |
فهل يُلام الشِّيعة على تقديس منازل أئمتهم وبيوتهم التي أذن الله تعالى أنْ ترفع ويُذكر فيها اسمه؟
ولنتراجع إلى المقصود بالبيان ، وهو إنَّنا كنّا نأمل بنشر ذلك الكتاب الوجيز أنْ نرى أثره المحسوس ، ومفعوله الملموس ، في تعديل الخطة ، وتلطيف اللهجة ، وتقارب الفريقين ، فلم نجد إلا ما يوجب اليأس ، ويحطِّم الامل ، وعرفنا أنَّ تلك العقائد والآراء صارت طبيعة موروثة للقوم ، لا يستطيعون نزعها والنزوع عنها « وتأبى الطباع على الناقل ».
ولا لوم على عوام الفريقين في سوء الظن ، كلُّ فريق بالآخر ، وعداوته لأخيه ، إنَّما اللائمة على العلماء والعقلاء الذين يؤججون نار العداوة والبغضاء وقد جعلهم الله إخواناً وجعل دينهم دين التوحيد والوحدة.
ومع هذا الاسف المؤلم ، واليأس البليغ ، طلب مني جماعة ـ اخص بالذكر من بينهم ولدي محمَّد كاظم الكتبي ـ الاذن بطبعته السابعة ، وأنْ
__________________
(١) اُنظر : مروج الذهب ٥ : ٣٧ ، الكامل في التأريخ ٧ : ٩٥ ، تأريخ الطبري ٩ : ٢٢٦.