أنكروا ما أثبته المعتزلة والإمامية من حكومة العقل ، وإدراكه للحسن والقبح على الحق جل شأنه ، زاعمين أنَّه ليس للعقل وظيفة الحكم بأنَّ هذا حسن من الله وهذا قبيح منه.
والعدلية بقاعدة الحسن والقُبح العقليين ـ المُبَرهَن عليها عندهم ـ أثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللُّطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة. وعليها بنوا أيضاً مسألة الجبر والاختيار ، وهي من معضلات المسائل التي أخذت دوراً مهماً في الخلاف ، حيث قال الأَشاعرة بالجبر أو بما يُؤدي اليه ، وقال المعتزلة : بأنَّ الإنسان حر مختار له حرية الإرادة والمشيئة في أفعاله.
غايته : أنَّ ملكة الاختيار وصفته كنفس وجوده من الله سبحانه ، فهو خَلَقَ العبد وأوجده مختاراً ، فكلي صفة الاختيار من الله ، والاختيار الجزئي في الوقائع الشخصية للعبد ومن العبد ، والله جل شأنه لم يجبره على فعل ولا ترك ، بل العبد اختار ما شاء منهما مستقلاً ، ولذا يصح عند العقل والعقلاء ملامته وعقوبته على فعل الشر ، ومدحه ومثوبته على فعل الخير ، وإلّا لبطل الثواب والعقاب ، ولم تكن فائدة في بعثة الأَنبياء وإنزال الكتب والوعد والوعيد.
ولا مجال هنا لأكثر من هذا ، وقد بسطنا بعض الكلام في هذه المباحث في آخر الجزء الأَول من كتاب ( الدين والاسلام ) (١) وقد أوضحناها
__________________
(١) يقع الكتاب في جزءين ، ضمَّن مؤلَّفه رحمه الله تعالى الجزء الأول منه ثلاثة فصول تمهَّد لها خمسة سوانح يتعرض فيها إلى الأخطار المحيطة بالاسلام ، ومكائد الغربيين له ، وتأثر البعض من المسلمين بالآراء والمعتقدات الغربية. ثم ينفذ من ذلك إلى تبيان دور العلم والعمل في رقي الاديان وثبات اُصولهما ، مع شرح موجز لماهية الشرف والسعادة ، ودور