ولكن العهد الأول لم يكن كذلك ، وبهذا الدليل نرى بعض الفقهاء قد أجاز لنفسه مخالفة الأحكام الإلهية ، وقد يكون إنكار المسح على القدمين وإبداله بالغسل ، من هذا القبيل.
ولعلّ بعضهم تصوّر أنّ من الأفضل غسل القدمين ؛ لأنّها معرضة للتلوث دائماً ، فما الفائدة من المسح؟ وخصوصاً أنّ بعض المسلمين كانوا حفاة في تلك الأعصار ، ولأجل هذا كان إحضار الماء لغسل أرجلهم من الآداب المتعارفة في وقتها عند استقبال الضيوف!.
والشاهد على هذا الكلام ما قاله صاحب كتاب «تفسير المنار» في ذيل آية الوضوء من توجيه لكلمات القائلين بالغسل حيث يقول : «إن مسح اليدين على القدمين الملوثة بالغبار أو المتسخة غالباً ، ليس فقط لا فائدة فيه ، بل قد يلوثها أكثر ممّا هي عليه ، وسينتقل التلوث إلى اليد أيضاً».
وينقل ابن قدامة الفقيه المعروف لدى أهل السنّة (المتوفى ٦٢٠ قمري) عن بعضهم قوله : «إنّ القدمين في معرض التلوث بخلاف الرأس ، فمن المناسب أن تغسل القدمين ويمسح على الرأس» (١). فنجد كيف رجّح هذا الاجتهاد والاستحسان في مقابل ظاهر الآية القرآنيّة ، وترك المسح ووجّه الآية توجيهاً غير سليم.
والظاهر أنّ هذه المجموعة قد نسيت أنّ الوضوء مركب من النظافة والعبادة ، فمسح الرأس لا علاقة له بنظافته ، وخصوصاً على بعض الفتاوى بكفاية المسح بالإصبع ، وكذلك مسح القدمين.
__________________
(١). المغني لابن قدامة ، ج ١ ، ص ١١٧.