فإن كان اليوم فيكم مثل أبي بكرٍ والمهاجرين والانصار ، والأمّة مجتمعة على إمامة واحدٍ منكم ، فقيسوا أنفسكم بهم.
وإلّا ، فبالله عليكم! استحيوا من الله ، ومن خلقه ، واعرفوا قدر أنفسكم ، فرحم الله من عرف قدر نفسه ، وأنزلها منزلتها ، وكفّ شرّه عن المسلمين ، واتّبع سبيل المؤمنين.
قال الله تعالى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (١).
فصل
لما تقدم الكلام على الخوارج ـ وذكْر مذهب الصحابة وأهل السُنّة فيهم ، وأنّهم لم يكفّروهم كفراً يخرج من الإسلام ، مع ما فيهم ـ بأنّهم كلاب أهل النار ، وأنّهم يمرقون من الإسلام ، ومع هذا كلّه لم يكفّرهم الصحابة ، لأنّهم منتسبون إلى الإسلام الظاهر ـ وإن كانوا مخلّين بكثيرٍ منه لنوع تأويلٍ ـ.
وأنتم اليوم تكفّرون من ليس فيه خصلةٌ واحدةٌ ممّا في أولئك.
بل الذين تكفّرونهم اليوم وتستحلّون دماءهم وأموالهم عقائدهم عقائد أهل السُنّة والجماعة ـ الفرقة الناجية ، جعلنا الله منهم ـ.
[القدرية ومذاهبهم]
ثمّ خرجت بدعة القَدَريّة ، وذلك في آخر زمن الصحابة ، وذلك أنّ القَدَرية فرقتان :
__________________
(١) النساء : ١١٥.