فصل
[نجاة الأمّة حسب نصوص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم]
وممّا يدلّ على بطلان قولكم هذا.
ما روى مسلم في صحيحه (١) عن ثوبان ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : إنّ الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإنّ أمّتي سيبلغ مُلكها ما زُوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يُهلكها بسنة عامّة ، وأن لا يسلّط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم ، يستبيح بيضتهم ، وإنّ ربّي قال : يا محمّد ، إذا قضيت قضاءً إنّه لا يردّ ، إنّي أعطيتُك لأمّتك أن لا أُهلكهم بسنة عامّة ، وأن لا أسلّط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم ، يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من أقطارها ـ أو قال : من بين أقطارها ـ حتّى يكون بعضهم يُهلك بعضاً ، ويَسبي بعضُهم بعضاً ، انتهى.
وجه الدليل من هذا الحديث : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر أنّه لا يسلّط على هذه الأمّة عدوّاً من سوى أنفسهم ، بل يسلّط بعضهم على بعضٍ.
ومعلومٌ عند الخاصّ والعامّ ـ ممّن له معرفة بالأخبار ـ أنّ هذه الأمور التي تكفّرون بها مَلأت بلاد المسلمين من أكثر من سبعمائة عامٍ ـ كما تقدّم ـ ولو كانت هذه عبادة الأصنام الكبرى ، وأنّها الوسائط ـ كما زعمتم ـ لكان أهلها ، كفّاراً ومن لم يكفّرهم فهو كافر ـ كما قلتم أنتم الآن ـ.
ومعلومٌ أنّ العلماء والأمراء لم يكفّروهم ، ولم يجروا عليهم أحكام الردّة ، مع أنّ
__________________
(١) صحيح مسلم : ٥ / ٤٠٩ كتاب الفتن ، سنن أبي داود : ٩٧٤ ح ٤٢٥٢ كتاب الفتن والملاحم.