وأمّا كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه ؛ لأن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان انسه بالله تعالى مغنيا له عن كلّ انيس ، لكن لمّا عرف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ أمره لأبي بكر بالقتال يؤدّي إلى فساد الحال ، حيث هرب عدّة مرات في غزواته. (١) فأيّما أفضل : القاعد عن القتال أو المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله؟ (٢).
وأمّا إنفاقه على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكذب ؛ لأنّه لم يكن ذا مال ؛ فإنّ أباه كان فقيرا في الغاية ، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمدّ في كلّ يوم يقتات به. فلو كان أبو بكر غنيّا لكفى أباه.
وكان أبو بكر في الجاهليّة معلّما للصبيان ، وفي الإسلام كان خيّاطا.
ولمّا ولي أمر المسلمين منعه الناس من الخياطة ، فقال : إنّي أحتاج إلى القوت! فجعلوا له في كلّ يوم ثلاثة دراهم من بيت المال ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قبل الهجرة غنيّا بمال خديجة ، ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش ؛ وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شيء البتة (على حال
__________________
بنفس اللفظ ، وأخرج في نفس الصفحة عن أبي هريرة ، قال : نظر النبي صلىاللهعليهوآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
(١) قال العلّامة الأميني في الغدير ٧ : ٢٠٠ بعد ذكر فرار أبى بكر وعمر يوم خيبر وذكر من أخرجه : ويعرب عن فرارهما يوم ذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ما فرّا : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرّار. وفي لفظ : كرّار غير فرّار ... وقال ابن أبي الحديد المعتزلي فيما يعزى إليه من القصيدة العلوية :
وما أنس لا أنس الّذين تقدّما |
|
وفرّهما والفرّ قد علما حوب |
وللراية العظمى وقد ذهبا بها |
|
ملابس ذل فوقها وجلابيب |
إلى أن يقول :
عذرتكما إنّ الحمام لمبغض |
|
وإنّ بقاء النفس للنفس محبوب |
ليكره طعم الموت والموت طالب |
|
فكيف يلذّ الموت والموت مطلوب؟ |
ثم تحدّث عن حديث العريش مفصّلا وأورد كلمة للإسكافي في ردّ الجاحظ.
(٢) قال تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) وقال تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً).