فصل
وأما الإغفال فقال تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)) [الكهف].
سئل أبو العباس ثعلب عن قوله : (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (٢٨)) [الكهف] فقال : جعلناه غافلا ، قال : ويكون في الكلام أغفلته : سميته غافلا ، ووجدته غافلا ، قلت : الغفل الشيء الفارغ. والأرض الغفل التي لا علامة بها ، والكتاب الغفل الذي لا شكل عليه ، فأغفلناه : تركناه غفلا عن الذكر فارغا منه ، فهو إبقاء له على العدم الأصلي ، لأنه سبحانه لم يشأ له الذّكر ، فبقي غافلا ، فالغفلة وصفه ، والإغفال فعل الله فيه بمشيئته وعدم مشيئته لتذكره ، فكلّ منهما مقتض لغفلته ، فإذا لم يشأ له التذكر ، لم يتذكر ، وإذا شاء غفلته ، امتنع منه الذكر ، فإن قيل : فهل تضاف الغفلة والكفر والإعراض ونحوها إلى عدم مشيئة الرب أضدادها ، أم إلى مشيئته لوقوعها؟ قيل : القرآن قد نطق بهذا.
وبهذا قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ (٤١)) [المائدة] وقال : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً (٤١)) [المائدة] (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (١٢٥)) [الأنعام].
فإن قيل : فكيف يكون عدم السبب المقتضي موجبا للأثر؟.
قيل : الأثر إن كان وجوديا ، فلا بد له من مؤثر وجودي ، وأما العدم فيكفي فيه عدم سببه وموجبه ، فيبقى على العدم الأصلي ، فإذا أضيف إليه