قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذلّ من واليت ، تباركت وتعاليت».
فقوله : اهدني ، سؤال للهداية المطلقة التي لا يتخلّف عنها الاهتداء.
وعند القدرية : إن الرب ، سبحانه وتعالى عن قولهم ، لا يقدر على هذه الهداية ، وإنما يقدر على هداية البيان والدلالة المشتركة بين المؤمنين والكفار.
وقوله : فيمن هديت ، فيه فوائد :
أحدها : أنه سؤال له أن يدخله في جملة المهديين وزمرتهم ورفقتهم.
الثانية : توسل إليه بإحسانه وإنعامه ، أي : يا ربي قد هديت من عبادك بشرا كثيرا فضلا منك وإحسانا ، فأحسن إليّ كما أحسنت إليهم ، كما يقول الرجل للملك : اجعلني من جملة من أغنيته وأعطيته وأحسنت إليه.
الثالثة : أن ما حصل لأولئك من الهدى لم يكن منهم ولا بأنفسهم ، وإنما كان منك ، فأنت الذي هديتهم.
وقوله : وعافني فيمن عافيت ، إنما يسأل ربه العافية المطلقة ، وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والإعراض وفعل ما لا يحبه وترك ما يحبه ، فهذا حقيقة العافية ، ولهذا ما سئل الربّ شيئا أحبّ إليه من العافية ، لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه.
وقوله : وتولّني فيمن توليت ، سؤال للتولّي الكامل ، ليس المراد به ما فعله بالكافرين من خلق القدرة وسلامة الآلة وبيان الطريق ، فإن كان هذا هو ولايته للمؤمنين ، فهو وليّ الكفار كما هو وليّ المؤمنين ، وهو سبحانه يتولى أولياءه بأمور ، لا توجد في حق الكفار ، من توفيقهم وإلهامهم وجعلهم