الذنب ، ولا ينظر إلى كمال الربوبية وتفرد الرب بالكمال وحده ، وأن لوازم البشرية لا ينفك منها البشر ، وأن التوبة غاية كل أحد من ولد آدم وكماله ، كما كانت هي غايته وكماله ، فليس للعبد كمال بدون التوبة البتة ، كما أنه ليس له انفكاك عن سببها ، فإنه سبحانه هو المتفرّد المستأثر بالغنى والحمد من كل وجه وبكل اعتبار ، والعبد هو الفقير المحتاج إليه المضطر إليه بكلّ وجه وبكل اعتبار ، فرحمته للعبد خير له من عمله ، فإن عمله لا يستقل بنجاته ولا سعادته ، ولو وكل إلى عمله لم ينج به البتة ، فهذا بعض ما يتعلق بقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم» (١).
ومما يوضحه أن شكره سبحانه مستحقّ عليهم بجهة ربوبيته لهم ، وكونهم عبيده ومماليكه ، وذلك يوجب عليهم أن يعرفوه ويعظموه ويوحدوه ، ويتقربوا إليه تقرّب العبد المحب الذي يتقلب في نعمه ، ولا غناء به عنه طرفة عين ، فهو يدأب في التقرب إليه بجهده ، ويستفرغ في ذلك وسعه وطاقته ، ولا يعدل به سواه في شيء من الأشياء ، ويؤثر رضا سيده على إرادته وهواه ، بل لا هوى له ولا إرادة إلا فيما يريد سيده ويحبه ، وهذا يستلزم علوما وأعمالا وإرادات وعزائم ، لا يعارضها غيرها ، ولا يبقى له معها التفات إلى غيره بوجه ، ومعلوم أن ما يطبع عليه البشر لا يفي بذلك ، وما يستحقه الرب تعالى لذاته ، وأنه أهل أن يعبد أعظم مما يستحقه لإحسانه ، فهو المستحق لنهاية العبادة والخضوع والذل لذاته ولإحسانه وإنعامه.
وفي بعض الآثار : لو لم أخلق جنة ولا نارا ، لكنت أهلا أن أعبد. ولهذا
__________________
(١) سبق تخريجه.