العلم خاصة.
قال الجبري : لا يساوي هذا الجواب شيئا ، فإنّ العطشان مثلا يدعوه الداعي إلى شرب الماء ، لعلمه بنفعه وشهوته وميله إلى شربه ، وذلك العلم وتلك الشهوة والميل إلى الشرب من فعل الله ، فيجب على القدري أن يترك مذهبه صاغرا داحرا ، ويعترف بأنّ ذلك الفعل مضاف إلى من خلق فيه الداعي المقتضي.
قال القدري : ذلك الداعي وإن كان من فعل الله إلا أنه جار مجرى فعل المكلف ، لأنه قادر على أن يبطل أثره ، بأن يستحضر صارفا عن الشرب ، مثل أن يحجم عن الشراب تجربة ، هل يقدر على مخالفة الداعي أم لا ، فإحجامه لأجل التجربة أثر داع ثان ، هو الصارف يعارض الداعي ، فالحي قادر على تحصيله ، وقادر على إبقاء الداعي الأول بحاله ، فإبقاؤه الداعي الأول بحاله ، وإعراضه عن إحضار المعارض له أمر ، لولاه ما حصل الشرب ، فمن هذا الوجه كان الشرب فعلا له ، لأنه قادر على تحصيل الأسباب المختلفة التي تصدر عنها الآثار ، ويصير هذا كمن شاهد إنسانا في نار متأجّجة ، وهو قادر على إطفائها عنه ، من غير مشقة ولا مانع ، فإنه إن لم يطفها ، استحقّ الذم ، وإن كان الإحراق من أثر النار.
وقد أجاب ابن أبي الحديد بجواب آخر ، فقال : ويمكن أن يقال : إذا تجرد الداعي ، كما ذكرتم في صورة العطشان ، فإنّ التكليف بالفعل والترك يسقط ، لأنه يصير أسوأ حالا من الملجأ. وهذا من أفسد الأجوبة على أصول جميع الفرق ، فإن مقتضى التكليف قائم ، فكيف يسقط مع حضور الفعل والقدرة؟! وهذا قسم رابع من الذين رفع عنهم التكليف ، أثبته هذا القدري زائدا على الثلاثة الذين رفع عنهم القلم ، وهذا خرق منه ، لإجماع الأمة المعلوم بالضرورة ، ولو سقط التكليف عند تجرد الداعي ، لكان كل من تجرد