داعيه إلى فعل ما أمر به ، قد سقط عنه التكليف ، وهذا القول أقبح من القول بتكليف ما لا يطاق ، ولهذا كان القائلون به أكثر من هذا القائل ، وقولهم يحكى ويناظر عليه.
قال الجبري : إذا كان الداعي من الله ، وهو سبب الفعل ، والفعل واجب عنده ، كان خالق الفعل هو خالق الداعي ، أي : خالق السبب.
قال السنيّ : هذا حقّ ، فإن الداعي مخلوق لله في العبد ، وهو سبب الفعل ، والفعل يضاف إلى الفاعل ، لأنه صدر منه ، ووقع بقدرته ومشيئته واختياره ، وذلك لا يمنع إضافته ، بطريق العموم ، إلى من هو خالق كل شيء ، وهو على كل شيء قدير ، وأيضا فالداعي ليس هو المؤثر ، بل هو شرط في تأثير القادر في مقدوره ، وكون الشرط ليس من العبد ، لا يخرجه عن كونه فاعلا ، وغاية قدرة العبد وإرادته الجازمة أن يكون شرطا ، أو جزء سبب ، والفعل موقوف على شروط وأسباب ، لا صنع للعبد فيها البتة ، وأسهل الأفعال رفع العين لرؤية الشيء ، فهب أنّ فتح العين فعل العبد إلا أنه لا يستقل بالإدراك ، فإن تمام الإدراك موقوف على خلق الدرك ، وكونه قابلا للرؤية ، وخلق آلة الإدراك وسلامتها ، وصرف الموانع عنها ، فما تتوقف عليه الرؤية من الأسباب والشروط التي لا تدخل تحت مقدور العبد أضعاف أضعاف ما يقدر عليه من تقليب حدقته نحو المرئي ، فكيف يقول عاقل : إنّ جزء السبب أو الشرط موجب مستقل لوجود الفعل؟! وهذا الموضع مما ضلّ فيه الفريقان ، حيث زعمت القدرية أنه موجب للفعل ، وزعمت الجبرية أنه لا أثر له فيه ، فخالفت الطائفتان صريح المعقول والمنقول ، وخرجت عن السمع والعقل.
والتحقيق أنّ قدرة العبد وإرادته ودواعيه جزء من أجزاء السبب التام الذي يجب فيه الفعل ، فمن زعم أن العبد مستقل بالفعل ، مع أن أكثر أسبابه ليست