إليه ، فقد خرج عن موجب العقل والشرع ، فهب أن دواعي حركة الضرب منك مستقلا بها ، فهل سلامة الآلة منك؟ وهل وجود المحلّ المنفعل وقبوله منك؟ وهل خلق الفضاء بينك وبين المضروب ، وخلوه عن المانع منك؟ وهل إمساك قدرته عن مضاربتك وغلبك منك؟ وهل القوة التي في اليد والرباطات والاتصالات التي بين عظامها وشدّ أسرها منك؟ ومن زعم أنه لا أثر للعبد بوجه ما في الفعل ، وأن وجود قدرته وإرادته وعدمها بالنسبة إلى الفعل على السواء ، فقد كابر العقل والحس.
قال الجبري : إن انتهت سلسلة الترجيحات إلى مرجّح من العبد ، فذلك المرجح ممكن لا محالة ، فإن ترجّح بلا مرجح ، انسدّ عليكم باب إثبات الصانع ، إذا جوزتم رجحان أحد طرفي الممكن ، وإن توقف على مرجّح آخر ، لزم التسلسل ، فلا بد من انتهائه إلى مرجح من الله ، لا صنع للعبد فيه.
قال السني : أما إخوانك القدرية فإنهم يقولون : القادر المختار يحدث إرادته وداعيته لا مرجح من غيره ، قالوا : والفطرة شاهدة بذلك ، فإنّا لا نفعل ما لم نرد ، ولا نريد ما لم نعلم أن في الفعل منفعة لها أو دفع مضرة ، ولا نجد لهذه الإرادة إرادة أحدثتها ، ولا لعلمنا ، بأن ذلك نافع ، علما آخر أحدثه ، فالمرجّح هو ما خلق عليه العبد وفطر عليه من صفاته القائمة به ، فالله سبحانه أنشأ العبد نشأة ، يتحرك فيها بالطبع ، فحركته بالإرادة ، والمشيئة من لوازم نشئه ، وكونه حيوانا ، فإرادته وميله من لوازم كونه حيا ، فأفعال العبد الخاصة به هي الدواعي والإرادات لا غير ، وما يقع بها من الأفعال شبيه بالفعل المتولد من حيث كان المتولد سببا ، وهذه الأفعال صادرة عن الدواعي التي عرفها العبد ابتداء ، من غير واسطة ، فاشتراكهما في أن كل واحد منهما مستند إلى فعل خاص بالعبد ، فهما متماثلان من هذه الجهة.